الاثنين، 28 مارس 2011

اختبارات .. مزعجة .. غير قانونية ...!!

اختبارات .. مزعجة .. غير قانونية ...!!
 
تاليف / محمد بدر الدين بسيونى


أُجهدت "سهير" من المذاكرة.. داخل غرفتها المخصصة لها .. بعيدا عن الضجيج والضوضاء .. لمراجعة مادة القانون الجنائى التى ستختبر فيها صباح اليوم التالى ومن شدة التعب مالت برأسها على مكتبها الصغير سابحة فى نوم عميق.. دخلت عليها والدتها العجوز التى شارفت على الستين من عمرها .. ووجدتها مستغرقة فى نوم عميق حاضنة كتابها .. حاولت ان توقظها .. لترتاح فى سريرها .. أشارت إليها بأنها ستفعل .. ولكن ما أن خرجت والدتها .. وإذ بجرس الهاتف يرن .. أمسكت بسماعة الهاتف لتجد زميلتــها " شيماء " تخبرها بإن صديقتها وزميلتها " سماح " الجميلة والتى يحسدها الجميع على جمالها .. أصيبت بارتجاج فى المخ وتشوه بالوجه نتيجة إصابتها فى حادث سيارة .. ونقلت على أثرها إلى المستشفى .. اندفعت " سهير " مسرعة إلى المستشفى لتطمئن على " سماح " .. أخبرها الأطباء بأن حالتها سيئة للغاية بالإضافة إلى كسر بالساق اليمنى .. سماح مقيمة فى المدينة الجامعية .. وأهلها مقيمون فى مدينة المنصورة .. " سهير " لم تعرف الطريق للوصول إليهم وإبلاغهم بما حدث ل"سماح" .. انتظرت حتى تفيق من الصدمة .. لعلها تعرف هاتف أسرتها فتخاطبهم .. ولكن دون جدوى.. فتوجهت صباح اليوم التالى لأداء اختبارها .. ثم توجهت إلى المنصورة بالقطار .. وخلال الطريق أخذت تفكر فى وسيلة سهلة لتخفف عن أسرة " سماح " الخبر .. حتى توصلت إلى فكرة جديرة بالاحترام والاقتناع .
وصلت "سهير" المنصورة وأخذت تسأل عن عائلة سماح .. أسماء العائلات معروفة .. والمنصورة .. مدينة كبيرة .. معظم المقيمين فيها من ضواحيها .. وظهر لها شـاب وسـيم بشوش الوجه ، حسن المظهر .. اعتقدت " سهير " أنه شخصية ذات احترام ومن المؤكد أن يساعدها .. هذه عادات أهل الريف .. مشهور عنهم الطيبة والشهامة والكرم .. وأشارت له وقالت :
- من فضلك .. ممكن أن تدلنى على عائلة النويرى .. فقال لها :
- أنا لست من المنصورة .. ولا أعرف العائلات .. ولكن بإمكانى مساعدتك .. وأصطحبها إلى أحد أصدقائه من أهل المنصورة .. الذى رحب بهما وعلى الفور عرف عائلة سماح .. ولكن الوقت قد تأخر .. وبدأ الليل يسدل ستائره .. ولضعف بصره ، فإنه لن يستطيع الذهاب معهما.. وقال سالم :
- ما العمل الآن .. يا آنسة " سهير " .. يمكنك الذهاب والعودة صباحاً عند الأخ أبو العنين .. ليدلك على عنوان عائلة صديقتك سماح .. قالت له ..
- وأين أنت ذاهب .. رد عليها قائلا :
- لقد انتهت مهمتى بالمنصورة .. ولابد من العودة إلى أهلى حيث أننا مقيمين فى مدينة " شربين".. وأيضا لدى هناك أعمال كثيرة لابد القيام بهـا فى الصباح الباكر .. نسيت تأخذ عنوان سالم .. غير مهم .. والمهم أنها حرصت على أخذ عنوان أبو العنين لتأتى إليه مباشرة فى الصباح ..
بانصراف كل منهما فى طريقه .. سالم .. أصر على توصيلها للمحطة ليطمئن عليها .. وتوجهت " سهير " إلى محطة أتوبيسات السوبر جيت المتوجهة للقاهرة مباشرة .. خوفا أن تتأخر .. لأن ميعاد القطار فات والقطار الذى يليه سيتأخر كثيرا ، وميعاد الأتوبيس قريب .. لقد تبادلا أطراف الحديث أثناء الطريق ووضح الانسجام بينهما .. وتمنت أن تراه مرة أخرى .. ليس مهم أين ومتى .. المهم تراه ثانيا ..
وصلت منزلها مرهقة .. وتعللت لوالدتها بأنها ظلت طوال الوقت مع صديقتها " سماح" فى المستشفى وتعاطفت والدتها مع سماح .. وقالت لها :
- لابد أن تقفى مع زميلتك فى محنتها .. وظروفها الصعبة .. حتى تشفى تماماً ..
أخذت " سهير" من كلام والدتها تصريح .. حجة للبحث عن أسرة " سماح " .. ونامت حالمة ليلتها هذه .. وكل ما شـغلها فى رحلتها هذه " سالم " .. وكم كان لطيف معها .. ودود فى كلامه .. ولم يستغل غربتها .. لجأت إليه .. أنه أصيل وأبن ناس طيبين وأكيد من عائلة ريفية عريقة .. الأصيل لا يهين من يلجأ إليه ..
" سالم " والده تاجر حبوب وغلال فى مدينة " شربين " ويتسوق بضائعه من المنصورة .. ووكل أبنه " سالم " للقيام بهذه المهمة .. لأنه جامعى " ويستطيع والده الاعتماد عليه فى المهام التى تحتاج سن الشباب .. و" سالم " أهل لهذه الثقة .. ولم يشغل باله بالجنس الآخر فى هذا الوقت لأنه لديه طموحات يريد تحقيقها قبل الارتباط **وجة وأولاد .. معتقدا أن الزواج .. ممكن فى أى وقت .. لكنه متعقل .. وفاهم أنه فى انشغاله بالزواج ستضيع عليه فرصة تحقيق حلمه الذى يسعى إليه من اجل تحقيق شخصيته ويصبح رجل أعمال له قدر فى السوق مثل أبيه .. وذلك يتطلب منه مجهود ضخم فى بداية حياته العملية .. كما أنه صغير على الزواج ويسـتطيع أن ينتظر .. ولماذا الاستعجال .. رغم رغبة أسرته أن يجد فتاة أحلامه والتى تسعده ..
فى اليوم التالى .. واصلت سهير طريقها إلى المنصورة .. متجهة صوب أبو العنين .. الذى أخذها مباشرة إلى الطريق الزراعى بضواحى المدينة .. المؤدى إلى .. قرية النويرى .. وأخذ يسأل المزارعين وأولاد القرية حتى وصلا إلى أسرة " سماح " وقد رحبوا بهما .. ترحيب كبير عندما علموا أنهما من طرف أبنتهم " سماح " .. خافت سهير أن تخبر والدتها .. فتثير ضجة .. حيث أن تبليغ الخبر بالحادث محتاج لشخص قوى يتحمل الصدمة ، ويستطيع أن يحسن التصرف ويستعمل حكمته فى تصريف الأمور الشديدة .. وطلبت أن تتكلم مع "سعيد" شقيق " سماح" على إنفراد لأمر هام لما يبدو فى مظهره .. وكلامه أنه متعلم وفى نفس الوقت مسئول عن أسرته .. فقالت والدة " سماح " اللهم جعله خير .. وتفهم سعيد الأمر وطلب من سهير أن تتصرف بطبيعتها حتى لا تشعر والدته بأى شئ وأنه سيتدبر الأمر بنفسه بعد ذهابهما ..
وصل "سعيد" إلى المستشفى وسأل الأطباء عن حالتها .. أوضحوا له الأمر ، وأنه لابد من إحضار أحد لمرافقة " سماح " لحاجتها لذلك .. وخاصة وجود والدتها بجوارها سيشعرها بطمأنينة أكثر .. حتى تستجيب للعلاج بسرعة والذى ستطول مدته ..
أعلنت حالة الطوارئ فى الجيش .. قامت الحرب ضد إسرائيل .. أصيب " نبيل " خطيب " سماح " إصابات بالغة وأسر .. وتم إعادته مع تبادل الأسرى الجرحى .. ازدادت نفسيته سوءا حيث أجرى له عمليه فى أحد مستشفيات إسرائيل .. أصبح بعدها غير كامل الرجولة .. ولا يصلح للزواج .. ولكنه مؤمن .. حافظ قرآن ربه منذ صغره فى القرية وواصل تعليمه حتى حصل على شهادة الدكتوراه فى الشريعة الإسلامية قبل قيام الحرب بأسبوع فقط .. وبهذه الفرحة أصر أهل " سماح " على عقد قرانه على " سماح " لكى تصبح الفرحة فرحتين .. وفى نفس الوقت " سماح " فَرِحة لـ" نبيل " فارس أحلامها .. لأنه سيصبح أستاذ بكلية الشريعة بجامعة الأزهر .. واتفق أهل العروسين أن يتم الزواج فور انتهاء "سماح"من دراستها الجامعية .. مصر انتصرت على إسرائيل .. لكن " نبيل " انهزم أمام ضياع رجولته .. رغم أنفه .. مدافع الدبابات والفيقرز لم ترحمه .. رضى بقضاء الله وقدره .. لكنه فكر بينه وبين نفسه أن يطلق " سماح" وأسر سره فى نفسه .. لا أحد يعلمه غير الله .
قابل " سعيد " أخته " سماح " وهدأ من روعها عندما رأته وخفف عنها آلامها ولكنها لا تستطيع الحركة .. وعندما بدأت تتحرك ونظرت فى المرآة لتجد وجهها مربط بالشاش لا يظهر منه غير عينيها وفتحة للأنف للتنفس .. وفتحة لفمها ..
قام " سعيد " بنقل شقيقته إلى مستشفى المنصورة العام .. لتكون بالقرب من والدتها وتستكمل العلاج هناك .. وقدم لهها اعتذار بالجامعة لعدم تمكنها من استكمال الاختبارات .. لظروف الحادث الذى تعرضت له ..
" سهير " أنهت اختباراتها وبدأت تتردد على زيارة صديقتها " سماح " بالمنصورة لعلها تصادف " سالم " .. وتحملق فى الوجوه لعل وعسى يكون فى مهمة كالمرة الأولى .. أنها أحبته من أول لقاء .. لإعجـابها بشخصيته .. وطموحاته .. وأماله التى حكى لها عنها .. فقلما قابلنا إنسان نميل إليه بكل جوارحنا ويخطف بريقه أبصارنا .. ولكن رؤيتها غير صادقة .. وحكم مشوب بأحلام زائفة ..
فـ"سالم" طموحاته أعمته عن الحلال والحرام ولعب برأسه بعض التجار .. الذين يتاجرون فى المخدرات تحت ستار التجارة فى الغلال .. وبرغبته دخل اللعبة الكبيرة التى لا نهاية لها سوى المصير المحتوم وهو السجن المؤبد .. ولكن السكين سرقه للأغراء المادى وهو اسرع الطرق لتحقيق طموحاته وذلك دون علم والده ..
أحيانا كثيرة مظاهر خداعة تجذب الإنسان إليها .. كالضوء الذى يبهر النحل فيلتف حوله .. فيتساقط دون سبب يعلمه .. و" سهير" واحدة منهن التى خدعها مظهر " سالم " وكلامه الجميل .. وباتت تحلم بلقاء بعد شوق لرؤيته .. وتمر الأيام .. دون جدوى .. وبدأت "سماح" تشفى وتفك الأربطة .. وعندما نظرت فى المرآة لم تصدق أنها هى التى تنظر فى المرآة .. إنها واحدة أخرى لم تعرفها .. وصرخت .. صرخة مدوية .. حضرت الممرضة على أثر صراخها لتجد " سماح" فى حالة انهيار ويدها تنزف دما .. فقد ضربت المرآة بكفها .. واستدعت الطبيب الذى عمل اللازم لها وأمر بإعطائها حقنة مسكنة .. ونامت ..
استيقظت فى صباح اليوم التالى وكل ما يشغلها وجهها .. وتحاول عبثا أن تبحث عن مرآة بغرفتها .. الطبيب أمر بخلع المرايا من غرفتها .. فاستدعت الممرضة وسألتها ..
- ماذا حدث لى .. وهل أصابتى كانت شديدة لهذه الدرجة .. أجابتها الممرضة :
- نعم والحمد لله .. أنت أحسن الآن من قبل .. وعلى فكرة الدكتور " رامى " سيعرضك على طبيب تجميل ليعيد وجهك كما كان .. ولابد من الصبر وكل شئ سيكون جميل بأذن الله ..
" سماح " لم تصدق ما حدث .. وما سيحدث .. وهل التجميل سيعيد وجهها إلى ما كان عليه ..
يأست " سهير " من انتظار لقاء " سالم " ذهبت إلى أبو العنين لتسأله عنه .. ولكنه زاد همها ويأسها .
عندما عاد "نبيل" من الحرب فى إجازة قصيرة لبلدته .. وقد بدا هزيلا غائر العينين صامتاً طوال الوقت وتعجبت والدته لذلك قائلة له :
ألن تسأل عن خطيبتك " سماح " وما حدث لها .. ألم تبدو عليك اللهفة للذهاب إليها بعد ورؤيتها طوال غيابك .
لم تتفاعل حواسـه كما كان فى السابق قبل إصابته .. وحنينه لرؤيتها أصبح فاتر .. حتى لا يريد أن يعرف أخبارها .. قائلا لها ..
- فيما بعد يا حاجة ..
سكتت والدته برهة .. ثم واصلت حديثها .. كنتم عايشين إزاى فى الحرب .. لم يقص عليها ما حدث وما تعرض له .. كتم سره فى نفسه .. وطلق سماح .. غيابيا .. دون ان يستشير أحد من أسرته .. رافضا الإفصاح عن أسباب الطلاق ..
وصلت ورقة الطلاق إلى أسرة " سماح " .. وكانوا فى حالة اندهاش من أمره .. وقابله سعيد .. رجاه أن يعلل له .. رفض .. فوصفه سعيد بالنذالة وقلة الأصل لعدم وقوفه بجوارها فى محنتها .. وعذره انه لم يعرف من والدته ولم يعطها فرصة تشرح حالتها له .. علم " نبيل" بما حدث لـ" سماح " .. لكن سبق السيف العزل .. ولا يمكن التراجع فيما فعله .. لأنه شئ لابد منه ..
أخفت أسرة " سماح " خبر طلاقها لحين شفائها .. وكلما سألت عن " نبيل " .. يقول لها "سعيد" :
- تعلمين أننا فى وقت الحرب ولم تصلنا أى أخبار عنه حتى الآن .. فتطلب من الله أن يسلمه ويرجعه سالم غانم .. بإذن الله ..
فجأة يقوم " نبيل " **يارة " سماح " .. بالمستشفى .. وقد تأثر تأثراً شديداً لحالتها .. مهما حدث كان يحبها .. وفرحت فرحاً جماً **يارته لها .. وظهرت السعادة فى كلماتها الرقيقة .. زيارته .. أعطتها أمل فى الحياة .. وأطمأنت عليه .. ودخل " سعيد " عليهما .. غير مصدق نفسه .. لما يراه .. " نبيل " هنا عند سماح .. ماذا يفعل .. وأخذه نبيل على جنب وقال له ..
- أرجوك .. أعذرنى .. لا تخبرها بالطلاق .. قبل أن يتم شفائها بإذن الله .. وأنا أيضا لدى ظروف أصعب من أى إنسان .. لقد أصبت إصابة تولد عنها رد الفعل .. وأرجوك أن تكتم هذا الخبر .. أن كنت تبقى للصداقة والعشرة شيئا فى نفسك .. وتأثر " سعيد " جدا بما أحل لصديقه وزوج أخته وأوصله لهذا الحال .. وتفهم الموقف واعتذر له عما بدّر منه .. عندما قابله المرة الأولى فى القرية .. معتقداً أنه طلقها لما حدث لها من تشوه نتيجة الحادث ..
أنصرف " نبيل " متوجها إلى القاهرة لإنهاء أوراق خدمته العسكرية .. ومن ثم سيتوجه إلى جامعة الأزهر لاستلام عمله بكلية الشريعة .. والاستقرار بالقاهرة .. كما وعد " سعيد " بإن هذه الزيارة ستكون آخر زيارة للمنصورة حتى تستقر أمور " سماح " ويبلغوها بطلاقها .. ثم بعد ذلك يقوم **يارة المنصورة دون حرج .. ووعده "سعيد" بذلك .
" سالم " تعرف من خلال تعامله مع تجار المخدرات على المعلمة " جليلة " شابة فى مثل عمره .. تزوجت من تاجر مخدرات قبض عليه ويقضى عقوبة الأشغال الشاقة بالسجن .. وسوف تحصل على الطلاق باسرع ما يمكنها لتتفرغ لحالها .. وتتمتع بجمال هادئ من يراها لا يشك لحظة فيها .. أنها تاجرة مخدرات .. تبدو كبنات الناس الأكابر .. مظهرها أنيق .. ترتدى أحدث صيحات الموضة .. مثقفة .. مؤهلها متوسط لكنها تجيد الإنجليزية .. وكثيراً ما تتفوه ببعض الكلمات الإنجليزية أثناء الحديث .. وذكائها غير عادى ..
أنبهر " سالم " بالمعلمة "جليلة " لمميزاتها عن باقى جنسها .. " جليلة " تعتبره طالع فى المقـدر جديد .. ولا يمكنها التعامل معه إلا إذا عرفت أصله وفصله .. لتطمئن إليه .. قائلة له :
- أنا قلبى غير مرتاح لك .. أشعر أن اللف والدوران لا يؤدوا إلى نتيجة إيجابية .. أدخل فى الموضوع وأنا أفكر ..
بدا الصمت والوجوم على وجه " سالم " لم يعرف يرد عليها .. وفى كل مرة .. يجلس معها ساعات طوال دون نتيجة أو يخرج من عنـدها ما يرضى خاطره ..
"سهير" أخر مرة ذهبت إلى المنصورة لزيارة صديقتها " سماح " والاطمئنان عليها .. أعجب بها "سعيد" لإخلاصها لصديقتها ووقوفها بجانبها أثناء محنتــها .. أكيـد " سهير " من أصل طيب .. وعرض عليها الزواج .. و"سعيد" لا يقل وسامة عن " سالم " كما أنه يدرس دراسات عليا للحصول على درجة الماجستير بالإضافة إلى اتزانه ومسئوليته عن أسرته بعد وفاة والده .. جعلت منه رجل بمعنى الكلمة .. وقالت له ..
- أعطنى فرصة أفكر .. وأرد عليك ..
وقفت " سهير " .. وسط الطريق .. وعقلها مشغول بـ " سالم " .. والعرض الذى قدمه لها "سعيد" .. وفكرت بعقلها .. مستبعدة نبضات قلبها التى تنطق بـ " سالم " لأن البحث عنه أصبح كقشة سقطت فى محيط .. وصعب العثور عليها .. والوصول إليه أصبح شئ مرهق ومتعب للنفس وأرقها .. وخلال الطريق وهى تفكر .. ماذا تقول لوالدتها عن عرض " سعيد " بالزواج منها وهى مازالت فى السنة الثالثة بكلية الحقوق .. لكن ليه لا ؟
" سهير " تحدث نفسها .. لم أكن أقل من " سـماح " معـقـود قرانها على " نبيل " وتدرس وبالقريب ستصبح زوجة ولكنى سأتفوق وأواصل حياتى فى دراسة القانون حتى أحصل على الدكتوراه وأصبح قاضية كبيرة للأحوال الشخصية للولاية على النفس .. أتخصص فى قضايا الطلاق .. وطلبات دخول بيت الطاعة .. المستفزة دائما للمرأة .. المغلوب على أمرها .. كل هذه القضايا النسائية بجميع أنواعها .. يشار عنى بالبنان .. لكى لا تظلم المرأة من القضاة الرجال .. وسـوف أغير وجـه القضاء .. يا ترى هل سأنجح .. وليه لأ ؟ ..
شفيت " سماح " وتم إجراء عملية التجميل التى وعدها بها الدكتـور "رامى" وأعاد وجهها إلى ما كان عليه .. مع ظهور بعض الآثار للجراحة .. تلتئم مع الأيام .. ولكن هناك شئ فى نفسها لم تستطع التعبير عنه أو البوح به لأحد .. لأن بنات الريف متحفظات فى بعض خصوصياتهن .. وعندما فاض بها .. ارتدت ملابسها ووضعت على رأسها إيشارب لتخفى ما بدا من آثار العملية بوجهها .. دقت على باب دار "نبيل" .. لم تجد صدى لدقتها .. الدار مغلق .. والدته أيضا غير موجودة .. لا أحد بالدار .. وتساءلت ماذا هناك .. أين ذهبوا .. عادت خائبة لم تجد من يجيب على تساؤلاتها .. أفصحت لوالدتها عن مكنونها .. والدتها تعلم من أخيها " سعيد " ولكنها تكتم الأمر .. والدة " سماح " صامتة برهة .. تتحدث لتغير الموضـوع .. تكتشـف " سـماح " موقـف والدتهـا وتهربها .. كلما سألتها عن " نبيل " .. ادعت أنها مشغولة بعمل شئ آخر ..
بدأ العام الدراسى .. عادت " سماح " لكليتها .. فى نفس الصف الذى كانت تدرس فيه فى العام الماضى .. بكت حظها .. لم تيأس .. انتفضت " سهير " بكل حواسها لتجد المنبه يدق الساعة السابعة صباحاً ووالدتها توقظها للاستعداد للذهاب لاستكمال اختبارها ..
تمت بحمد الله ..



أحبتنى .. ولكن !!!

أحبتنى .. ولكن !!!
تأليف / محمد بدر الدين بسيونى

استيقظت مبكرا .. داعبت عيونى ضوء النهار الطال من شباك نافذتى .. نهضت واقفا مشدود الأعصاب .. مستحضرا بذاكرتى ما عبأته فى ساعات ليلى وأمسيت يوم جميل يحسب من ليالى العمر المعدودة .
لا استطيع بحواسى .. استعادة هذه الأحاسيس الرقيقة ولكنى اتذكرها .. والكلمات الباسمة .. لقد غمرتنى بدفء وحنان روت ظمئى حتى امتلأ وجدانى وصارت تتدفق اوردتى وشرايينى بهما .. واستحوذت على بريق عينيى ملفوف بضيائها الوهاج الذى غطى سمائى بعبق الياسمين والزهور .. وتناجونا بأعذب العشق والهيام وكل منا سبح فى فضاء اعتلى هناك فوق الكلمات واختفت الأصوات وسكن الرياح وتوقفت الأمطار .. وقام القمر بتسجيل أروع وأحلى الأنغام على أوتار النجوم التى غطت السماء .. وكانت شهادة سيادية قدرية محكمة صادقت عليها السماء ليبذغ مولود جديد بعيد عن عالم الأرض التى شابها ما صعب وصفه من مهاترات واستهزاء بقيم واخلاقيات المحبين والعاشقين .. سقطت الوعود .. عدم الإستطاعة لتلبية متطلبات الحياة المتوالية .. ضعف الإمكانيات .. غلاء الأسعار .. ترتب عليها كثرت الخيانات .. منازعات بين المحبين وأختلاف فى أولويات المتطلبات أدت للطلاق .. نحن فى زمن صعب فيه تحقيق الأمانى .. أخشى أن يفتر حبنا يوما .. لكل هذه المفارقات .. قالت لى :
لماذا انت مشغول بما يفوق فكرك .. التوازن الذى تسأل عنه وتستقيه من مواقف الحياة اصبح مرتبط بمادياتها .. وليس بروح جمال الحياة .. قلت لها :
حبيبتى منذ التقيت وأنا اتسأل اين مرساى التى استقر فيها .. تعلمى أن شواطئك لم تقترب من يختى الساكن وسط بحرك لأطفو على حافتهـا المبللة بصقيع البرودة فى صباح الشتاء .. أو الندى المتساقط فى ليالى الصيف الجميلة .. لتحتضننى فى اى فصل .. أو فى كل الفصول .. انا بعشقك مغرم .. تتوارى ليالى متتابعة وما أكثرها .. ليس فى حياتى غيرك .. عاهدينى .. لا تتكبرى ولا تتذمرى اشغلى بالك بامرى .. اصبرى وصابرى .. ستحلقين فى سمائى الخاوية .. كونى كما أنت .. سيـدتى بما تفوهت شفايفك بكلماتك الهامسة التى دوت فى اذنى أحلى الأنغام .. تفوقتى فيها على أنغام أوتار قلبى .. فجأة توقفت كلماتى عندما وقعت عينى فى عينيها .. قالت لى :
اكمل ما أشغلك عنى .. قلت لها :
عندما التقت عيناك الجميلتين بعينى .. تاهت منى الألفاظ والمعانى الجميلة التى بت ليالى كثيرا أرددها فى جمال بهائك .. فقد غرقت فى محيطك .. جرفتينى .. سحبتينى بداخله وبدوامة عينيك قاربت غرقى حتى الموت .. انا لم اتصور وأنت لم تتخيلى أن نفترق مدى الدهر .. فصرختك دوت فى رأسى .. أبدا لن يكون .. فمددت يديك لتجذبينى .. فقذفتنى أمواج جفنيك حتى تعلقت بأهدابك .. فأخرجتنى على شاطئك لتضمينى فى حضنك الدافئ بذراعيك الحانية .. قالت له والدته :
الفطار جاهز .. ارتديت ملابسك .. لتتهيأ للذهاب لعملك .. الساعة قاربت الثامنة ..
أثناء الفطـار .. جاء تليفون من حبيبتى .. حالمة منتشية .. احساسها الناعم ومشاعرها الفياضة .. دموعها غطت كلماتها .. لم أفهم منها .. ماذا اصابك .. قالت لى : بعد ان تركتنى ليلة البارحة .. توجهت لمنزلى ، وعندما طرقت باب شقتنا .. فتح الباب .. وجدت ضيوفاً يزرونا لأول مرة .. لم أسمع عنهم من قبل ..
أنهم جيران أختى الكبيرة .. طالبين يدى لأبنهم الدكتور ... المتخرج حديثا .. لقد شاهدونى فى بلكون أختى ومنذ هذه اللحظة ووالدته أقنعته بأنهم لم يجدوا أحسن من نسب اسرتى التى وافقت وباركت طلبهم .. أرجوك .. اتوسل اليك .. برب الكون .. لا تتركنى اسيرة ظلام دامس لا يبذغ له نهار .. ليس فى قلبى مكان لأحد غيرك ..
تمت بحمد الله

حياتى .. انت يا بلدى

حياتى .. انت يا بلدى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
 
كدت أطير ملىء الدنيا دون أن يرانى كل خيلاء
مَسَكَت نفسىِ كِباحها وكل نفس لها من النبل حكماء
سَحْقتُ رحيق العمر طولا أبحث عن معشوقتى السمراء
وفجأة جاء الزمان بها لتقول أين أنت من الرفقاء
قلت لها كم بحثت عنك من شوقى لأبى العلاء
تركتنى مرة ومرات واذ أنت يحكمك الامراء
واذا ملكك غاصب منى فأنت له رافضه شمخاء
ويوم أن ملكتك لنفسى كأنى أحلق فى فضاء
هدانى الله لسواء السبيل حمدا لكل ضراء وسراء
صفقت لى السماء يوم اللقاء وبت فى نشوتى العلياء

الذنب ليس ذنبى .. ولكنه ذنب قلبى

الذنب ليس ذنبى .. ولكنه ذنب قلبى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذنب ليس ذنبى .. ولكنه ذنب قلبى
تهمته البعد عنكِ .. والفراق أحزني
وفى البعد تاهت مجاديفى
وتكسرت قواربى
ولم ادرى كيف انجى
والمحلفين اصدروا حكمهم
والقلب لا يدرى ما هو ذنبى
الا أن قلبى حملته بين طيات جسدى
وكان حكمهم بتهمة الفراق
والبعد اضاعوا حبيبتى
ونصبوا المقاصل ليعدموا رقبتى
وفى ساحة المنتدى تاهت معالمى
بين الأخذ والرد لم يترفئوا بحالنى
بل حملونى وعلقونى لكى لا أجرى
وشلوا حركتى بعد ربط رجلى ويدى
لم يعلموا انى سأسقط فى بئر حبى
وبذلك تذهت حكاياتى وقصة حبى
الوداع بعد الفراق لم يكن ودى
وبالرغم ان القاضى اعفانى
وفى حكمهم قال ما بيدى
الشهود كثيرون لم يعلموا علمى
البكاء يا حبيبتى أغرق وجهى وخدى
استسلمتى لحكم لم يرضيه الله فترضى
ولكن احتفظى بأوراقى ومكاتيبى
يمكن بعد فوات الأوان تذكرينى
أخشى اضيع مع الأيام فتنسى
كنت الوحيد اكن لك الأخلاص والوفاء فى حبى

أه .. لو تعلمى

أه .. لو تعلمى
ــــــــــــــــــــــــــ 

أه .. لو تعلمى .. من أنت لتتكبرى ومن تكونين
أه .. لو تعلمى .. كم بنيت لك قصور فى خيالى لتسكنين
أه .. لو تعلمى .. كم بنيت لك المعابد من الهوى فتعشقين
أه .. لو تعلمى .. لما بعت العالم من أجلك ولم تشترين
أه .. لو تعلمى .. كم تحملت عبس السنين من أجل كلمة .. لم تتفوهين
أه .. لو تعلمى .. كم لعبت على أوتار الهوى دون أن تدرين
أه .. لو تعلمى .. لقد حركتى مشاعرى واحاسيسى التى دفنت من سنين
أه .. لو تعلمى .. أكن فى صدرى لك كم من الحنين وانت لى تتجاهلين
أه .. لكنك لم تعلمى فقد هدمتى القصور والمعابد التى بنيت فى خيالى من سنين
أه .. أنا الأمير .. وانت دليلة .. عفيفة .. لم أعرف لمن تكونين
أه .. فصراخى وألمى لم يكونا سببا لفراق حزين

أفراد غلابة .. فى مجتمع مصر .. !!!

أفراد غلابة .. فى مجتمع مصر .. !!!
بقلم / محمد بدر الدين بسيونى
الغنى غنى النفس والإيمان بقضاء الله ، والفقر هو فقر الفكر وافتقار العقل للمعايشـة الحقيقية لأمور الحياة ..
عظام الرجال لا تولد من بذور شيطانية .. أنما لها جذور وأصول ثابتة وراسخة فى أذهاننا .. وعائلات بتتوارث السمو وارتفاع القامة كأسود يصدون عن عرينهم من خلال منزلتهم القوية فى المجتمع .. وهناك رجال خزلتهم الدنيا لظروف عديدة ومناخات وبيئات مختلفة ولدوا فيها .. وكم كانوا يحلمون لو ولدوا من الفئة الأولى .. ولكن هى إرادة الله .. وله فى خلقه شئون .. أن ما دفعنى لكتابة هذه القصة هو ما يدور من أحداث حولى فى زمنى هذا الذى نعيشه بكل مفارقات الحياة ومواقفها المختلفة .
بالرغم من اختفاء بعض الألفاظ التى عشناها وتعايشنا معها فى عصر ما قبل الثورة وكانت تطلق هذه الألفاظ أقصد الألقاب على من يمنح اللقب وكل حسب عطائه وولائه للملك الحاكم فى هذا الزمان وأحيانا تعطى تدريجيا فيمنح أولا بك ثم يرقى إلى الباشا وعادة ما كانت تمنح لفئات معينة فى المجتمع المصرى ما قبل الثورة وهم من وجهاء المجتمع ككبار الضباط وأصحاب الشركات أما لقب الزعيم فكان يطلق على زعماء الحركة الوطنية ضد الملك والاستعمار ولا استطيع تحديد شخص بعينه مما يحملون هذه الألقــاب التى كانوا ينعموا بها وامتيازاتها .. وتعالوا بنا لنرى كيف وصل الحال بهذه الألقاب فى زماننا الحديث بعد قيام ثورة يوليو المجيدة التى قامت فى منتصف القرن العشرين ومازالت تتداول حتى يومنا هذا فى أوائل القرن الواحد والعشرين ولكنها أخذت معانى ومحامل أخرى لا تمت لها ولا ناسها بأى صلة ولا يوجد انطباق لفظى يعنى الشخص إلا لحذلقة وتقرب إليه والوصول والسعى للحصول على أشياء باهتة ولم يتفهموا ماذا تعنى الحياة لهم ولسائر مخلوقات الله .
فى أحد الأيام من أوائل القرن الحالى وبالتحديد فى عام 2005 وصلت قسم الشرطة للاستفسار عن موضوع خاص بى ، وعندما دخلت قال لى العسكرى رقم (1) الواقف على بوابة قسم الشرطة روح للباشا يدلك وأشار بيده شمالا جهة أمين شرطة ملتحق حديثا بالخدمة فى وزارة الداخلية عمره لا يتعدى الخامسة والعشرين سنة وبطبعى الهادى تحركت تجاهه ووجدت نفسى أقول له يا سيد لو سمحت وقبل أن أعرض موضوعى عليه .. انتفض واقفا .. وشخط فى كأنى طفل صغير أرتكب خطأ لا يغتفر ويخشى والده يؤنبه عليه وبكل صرامة وعنجهية لم تكن من صفات رجال الشرطة رد قائلا لى :
أنا مش سيد قلت له رقم واحد هو الذى وجهنى .. يكون الخطأ منه . قال :
لا أنت ما تعرفش ألفاظ ينادونا بها غير سيد .. قلت له :
أكيد الأستاذ / ؟؟ ، ولوسمحت اتعرف على حضرتك علشان أناديك به وليت لسانى ما تفوهت ، وكأنى تعديت على الذات الملكية فى عصر الملك بما تحمله من معنى وانصرفت دون أن افهم لماذا دار كل هذا الهرج بدون معنى واضح ، وما هو الخطأ الذى ارتكبته ..
وعدت لمنزلى دون أن أوفق فى الحصول على ما كنت أرغب فى الاستفسار عنه وعلى رأى المثل رحت وجيت يا أبو زيد ما غزيت ورجعت دون جدوى .
فى اليوم التالى صادفنى صديق فى الطريق يعمل فى مستشفى الشرطة وفى أثناء حديثى معه تطرق الموضوع حول ما دار بينى وبين أمين الشرطة بالأمس – وقال لى رؤوف أنت مش عارف الضباط وأمناء الشرطة كلهم بلا استثناء بكوات وبشوات كل العصور، دول أسياد البلد فى أيدهم كل حاجة ولم أتوسع معه فى الحديث لميعاد مهم وخفت الميعاد يفوت علي .. فتركته ليواصل كلا منا طريقه .
فى نفس اليوم من الأسبوع التالى عاودت الذهاب لقسم الشرطة حيث انه يوم اجازتى المعتاد .. وهذه المرة لم استفسر من العسكرى رقم واحد لأنى عرفت مين الشخص الذى يمكننى الاستفسار منه وتوجهت مباشرة إلى أمين شرطة الواقف على البوابة من الجهة الأخرى .. وبدأت الكلام صباح الخير يا باشا كما أشار علىّ صديقى .. وطبعا كان أمين الشرطة غير الذى قابلته فى المرة الأولى .. وبالنظر إلى وجهه ظهرت عليه الأسارير لمنافقتى له باسداء له بلقب غير حقيقى مغطى بنفاق وأنا غير مقتنع .. المهم أفسح لى الطريق ووجهنى إلى مكتب رئيس المباحث المقصود الاستفسار منه ، وعندما وصلت لمكتبه .
فوجئت بضابط يرتدى رتبة رائد وبجانبه أمين شرطة .. احترت أخاطب من فيهم ؟؟ .. وحذر أن أقع فى خطأ يغضب أحدهم منى .. وقفت برهة .. وبسرعة قلت السلام عليكم .. وارتحت من قول أى لقب لأحدهم يأخذ الآخر على خاطره منى وتتعقد الأمور .. وتطفل أمين الشرطة متفضلا بقوله أى خدمة .. فقلت له يا باشا أنا عايز رئيس المباحث .. وفجأة تراجع الرائد مكشرا ومشوحا قائلا : شوف موضوعه أيه يا أمين .. فقلت فى نفسى ، ما أزعجه وسألت أمين الشرطة هل أنت أسمك أمين .. بك .. قال لى أن أسمى حسين ، أمين دى يعنى أمين شرطة ، قلت له يناديك بدون لقب بك أو باشا وانتم داخل القسم أومال ليه تطلبون من البشر القادمين للقسم ينادوكم بإلقاب عفى عليها الزمن وألغتها قيادة الثورة المباركة منذ قيامها .. رد قائلا :
أحنا يا بك بمنى نفسينا بشىء ليس فينا لا أحنا بكوات ولا باشوات أحنا يا بك غلابة وده كله منظرة ومالوش معنى لكن بعض منهم يا بك يحب المنظرة وأهو بقى ..
وختمت كلامى معه بشرح موضوعى الذى حضرت من أجله بنفسى لمقابلة رئيس المباحث .
ترى مين رئيس المباحث .. ولم أعى بالمرة انه الرائد .. الذى كان واقف بجوار أمين الشرطة حسين .. اعدت عليه الصباح .. صباح الخير يا باشا .. رد بازدراء .. كأنه شايل هموم العالم .. ايوه فى أيه .. اختصر .. ولخصت له الموضوع .. ثم نادى على أمين الشرطة .. يا أمين تعالى خد أقوال الأستاذ وأن شاء الله بعد يومين تيجى تشوف النتيجة .. مع أنه ممكن اشوف النتيجة فى الحال بتحريك أحد رجاله معى .. قلت له ممكن ارسل صديق لى لإنشغالى بعض الوقت .. رد .. أوكى .. أوكى مفيش مانع ..
خرجت من عنده .. متشـاهد .. قائلا : لا إله إلا الله .. لأن دخول القسم غير الخروج منه .. وحمدت الله ..
وفى شارع رئيسى على ناصية قسم الشرطة وكان وقت الظهيرة وحرارة الشمس شديدة .. وجدت شخص ما .. انيق فى مظهره .. يرتدى نظارة سوداء على وجهه .. ينادى على تاكس قائلا للسائق .. الجيزة يا زعيم .. وأحسست أن الزعماء الوطنيين الذين لم نعاصرهم ولا نعرفهم إلا من خلال دراسة كتب التاريخ الحديث فى المدارس .. عادوا مرة أخرى من قبورهم أمثال أحمد عرابى الذى وقف أمام خديو مصر لإسداء طلبات الأمة والجيش ومصطفى كامل وموقفه من الإنجليز وحادثة دنشواى ومحمد فريد الذى بذل الغالى والنفيس فى خارج مصر مندد بالاستعمار الإنجليزى لمصر والزعيم سعد زغلول صاحب ثورة 1919 .. وجمال عبد الناصر ومجموعته أصحاب ثورة 1952 البيضاء .. وتسألت هل هؤلاء العظام عادوا مرة أخرى .. وهم الذين حرموا على أنفسهم الحياة العادية كأى مواطن وليس لديهم اختيار سوى التضحية بكل ما يملكون من أجل الوطن .. انه فكرنى بعهد الأستعمار الانجليزى الذى بزغ فيه هؤلاء الزعماء .. على فكرة من خلال متابعتى للموقف وجدت سائق التاكسى استبعد المشوار .. من شارع جسر السويس للجيزة .. وأى مقاولة مع الراكب لا تجدى بأرهاق المشوار وسط الظهيرة .. فاعتذر له وواصل طريقه .. وظل واقف .. وبفضول منى أستأذنته للحديث معه وقلت له : سمعتك تنادى سائق التاكسى .. الجيزة يا زعيم .. لقد نسبت له زعامة وشهامة لم تكن فيه وأعطيته قولا أكثر من حقه كثيراً .. ممكن أعرف ماذا تقصد بعبارة يا زعيم .. إلا يوجد سائق غيره فى المنطقة وهل هو الزعيم صاحب ثورة اضراب سائقى التاكسى فى مصر وبالتالى أصبح زعيم السائقين .. تسمر برهة فى مكانة ورد قائلا :
يا بك أحنا ناس غلابة .. وبنتمنى المساعدة من أى حد .. طريق طويل والدنيا حر وقت الظهيرة .. قلت له :
أولا أننى مواطن عادى مثلك لا بك ولا باشا وهذه الألقاب لم تكن يستحقها أى إنسان إلا المؤهل لها .. فهى ترفع قدر الإنسان من تواضعه .. ويحس بفضله وعظمته على الأخرين فيصدق نفسه فينقلب علينا ولم تمتد يده ليساعدنا ونأخذ منه ما نتمناه .. مع أن مساعدته لنا ليست لوجه الله أنما يأخذ عليها أجرة .. بمعنى أنه يبيع مساعداته للناس مقابل أجر محدد أو متفق عليه ، وفى سياق الحديث عرفته بنفسه وعرفنى بنفسه .. انه محمود كمال الصرطى ويعمل مدير عام بأحد الوزارات .. قلت له :
أنك رجل طيب وغلبان ومدير عام ومع ذلك لم يمنحك أحد أيا من الألقاب التى توزعها على خلق الله .. المفروض أنهم فى خدمة كل المواطنين ويحصلون على أجور مقابل خدمتهم وقد ذكرتنى بأحد الزملاء الذين قابلتهم فى بلاد الغربة والتى استمرت زمالته أكثر من عشر سنوات وهو ينادينى بصديقى العزيز .. لدرجة أننى من كثرة سماعها صدقته أننى صديقه العزيز ( الوحيد ) وهو ما يقنعك بأنه وجد فيك الخل الوفى وهى من المستحيلات المشهورة .. وكان خلالها يطلب منى ما يشاء ولا استطيع أن أتأخر عليه أو أرد له طلب بحكم الصداقة وللصديق له على الصديق أشياء كثيرة بالإضافة للود والاحترام .. الوقوف معه وقت الشدائد .. وفى الأفراح .. ولكن يا قرائى الأعزاء .. ومع أول صدام بينى وبينه نسى كلامه ونسى العيش والملح ونسى مواقفه الصعبة التى كنت أقف بجانبه فيها موقف الرجال .. أثنائها أحسست أنه لم يعرف معنى الصداقة والوفاء بين الأصدقاء ولم أعاتبه لأنه أكبر منى سنا ويعى تماما ما يقول ..‍‍‍
الحياة حافلة بالمواقف المتقلبة والمفارقات فى مجالات كثيرة والناس باختلاف انواعها وأكيد لابد أن نحياها بحلوها ومرها .. أخذين البساطة فى حل الأمور طريق سبيلنا .. من تواضـع لله رفع يا بنى البـشر .. كما لا يحق لنا أن نصدق كل ما يقال .. حتى يتبين لنا الأبيض من الأسود لكى نفهم الأمور على حقيقتها .

تمت بحمد الله


الصديقــان التوامان .. !!!

الصديقــان التوامان .. !!!
تأليف / محمد بدر الدين بسيونى
الصداقة .. كلمة من الكلمات الجميلة ذات المعنى الراسخ فى نفوس البشر .. لا يختــلف عليه أحد .. لا يحسها الإنسان برغم اقترابه من اشخاص كثيرون فى حياته اليومية .. ولكنها اجتمعت فى عدة عوامل منها الملازمة والمصاحبة والموائمة الفكرية والجيرة واحيانا كثيرة تتولد فى بلاد الغربة .. نقترب من ناس نرتاح لهم وبالمعاشرة الطويلة والصدق بيننا والمشاركة فى الإزمات والأفراح بعضها أو كلها يأتى بالمصادفة التى تخلق منها معنى ما يسمى بأسمها ..
قرائى الأعزاء .. لا يهم ذكر اسماء الاصدقاء فى قصتى هذه .. ليس لشئ ولكن لوجود هذه العينات من الناس التى تدعى الصداقة .. فمنهم من يجعلها كأساس فى تعامله مع كل البشر ولم يحسن اختيار .. الصديق .. الصدوق .. ويظهر صدقه فى تعامله معهم .. معتقدا أن الكل على مبادئه .. الصدق فى التعامل .. وأحيانا كثيرة يخيب ظنه .. فيندم .. ويرجع عن كلامه باحثا عن اصدقاء أخرين .. لعل وعسى يصل لما يبغيه من ناس تقدّر وتفهم معنى الصداقة بمعناها الحقيقى .. وهيهات يتحقق ما يصبوا إليه .. والكثير منا يودع الدنيا مهما طال عمره ولا يبقى له غير السيرة الطيبة والذكر الحسن .
الصديقان هنا من نوع آخر .. ليس لكل منهما مصلحة خاصة يحققها له فتنتهى علاقاتهما بمجرد انتهاء مصلحة أحدهما ويبتعدا عن بعض .. كما لو كانا لا يعلما عن بعض أى شئ .. ولدا فى حى واحد بل عمارة واحـدة .. نما كل منهما .. التحقـا بالمدرسة الابتدائية القريبة من منزلهما .. تزاملا فى الفصل .. التقيا .. تعرفا على بعضهما .. زالت الحواجز بينهما .. جمعت بينهما مواقف كثيرة وهما فى مهد حياتهما تكللت بالحب والرضاء وعدم الاستغناء عن بعضهما .. وحتى ان اختلفا فى رأى معين .. لا يفسد للود بينهم اى قضية .. صارت حياتهما تعنى الأخوة الصـادقة دون رياء أو ضغينة .. كأنهما شخص واحد فى كل شئ .. لا يفترقا إلا عند نومهما .. زادت صداقاتهما كلما تخطا مرحلة دراسية تالية لما بعدها ..
وصلا المرحلة الثانوية .. نضج فكرهما معا .. لم يسع أحدهما للتفوق على الأخر .. أوقات الجد تجدهما رجال يعتمد عليهم .. ووقت الهزر ينصهـرا كأطفـال أبرياء لا يعنون شئ .. يتبارون فيما بينهما بصدر رحب غير مهم أيهما يكسـب الآخر .. المهـم أن يكونا مع بعضهما .. اصبحـا كتوأم ليس فى الشبه .. انما فى تصرفاتهما .. لا يترك أحدهما الأخر إلا على كلمة التوحيد .. وان اشتكى أحدهما من ضيق أو مرض شعر الأخر به فى ذات الوقت ..
افترقا فى المرحلة الجامعية .. نتيجة ما يفرضه مكتب تنسـيق الجامعـات على قبول الشباب بها وتوجيههم إلى كليات حسب مجموعهما وليس حسب رغباتهم التى تصبح دفينة لعدم تحقيق ما يصبوا اليه وهى ليس مشكلة منفردة أنما هى مشكلة أجيال يتوارثوها نتيجة اجتهاد كل منهم وحسب مقدرته فى استيعاب ما يحصله من مواد الثانوية .. وبرغم ذلك زادت الصداقة البريئة بينهما .. اصبحا حميمان .. زاد عليها حمية الشباب المنطلق .. خطى كل منهما المرحلة الأولى الجامعية بثبات واتزان .. وبوجدان وتفاعل أكثر مما مضى .
غرتهم نشوة الشباب .. كنا فى أواخر شهر شعبان .. نما إلى علمهما باقامة سباقات للسيارات قرب المطار .. فكرا لقضاء وقت ممتع وقضاء السهرة فى مشـاهدتها .. تأبط كل منهمـا الآخر .. تباعدا عن منطقة سكنهما .. همساتهما .. ضحكاتهما العالية .. صداها جلجل فى الفضاء .. لم يدركا أنها أخر همسات وضحكات بينهما .. وماذا يخبئ لهما القدر المحتوم .
وصلا مكان السـباق غير المنظم من جهـات مسئولة .. أخذا موقع جانبى على الطريق .. فجأة تهور أحد المتسابقين لخسارته ودخل بسيارته فى صف المشاهدين .. سقط كل من صدمته السيارة مغشيا عليه .. حقا انها صدمة رهيبـة من سـيارة طائرة على الطريق .. من شاب عربى .. اعمته الغيرة والهزيمة من خصمه ابن البلد ..
فاق بعضهم من غشيتهم ليجدوا حولهم منظر بشع شباب قطعت النفس دون حراك وشباب تتلوى من الآم الصدمة ..
أنفزع أحمد مدحت من هول الصدمة .. التى أحلت بهم .. باحثا عن صديق عمره أحمد حسين ليجده قد فارق الحياة .. تشـبث فى مكانه .. ضم صديقـه إلى صدره .. غطت دماء صديقه ملابسه .. كل شئ فى هذه اللحظات غير مهم .. وأيضا لا يدرى ماذا يفعـل وماذا يقول .. سنه لم يسمح له باستيعاب ما حدث ...
حضرت سيارات الأسعاف لنقـل الجميع إلى إقرب مستشفى وكل حسـب حالته .. هناك .. استدعوا أولياء أمورهم فى ساعة متأخرة بعد منتصف الليل .. والدي الصديقان لم يستوعبا الموقف حال ابلاغهم بالهاتف .. تقابلا .. سلما أمرهما لصاحب الأمر .. توجها مباشرة إلى المستشفى .. وبالسؤال عن ولديهما عرفا أن أحمد حسين قد فارق الحياة ونقل لمشرحة المستشفى .. أما عن أحمد مدحت .. الحمد لله مازال عايش لكنه يتلقى بعض العلاجات البسيطة من الكدمات التى تعرض لها ..
أخذ مدحت أبنه بعد ان اطمئن عليه من الأطباء .. وتوجهوا مع حسين والد أحمد المتوفى إلى المشـرحة .. دخلها .. وتأكد من جثمان أبنه ومن ثم ظلا واقفون أمام المشرحة حتى الصباح ..
حدث هذا وسكان العمارة التى نقيم بها يغطون فى نوم عميق ولا يدرون ما يحدث فى الخارج .. المهم .. اًبلِغت فى صباح اليوم التالى من جارى القاطن بجوارى .. انتفضت مسرعا وارتديت ملابسى وتوجهت إلى المستشفى لأجد جمع غفير من البشر حاضرين للمشاركة فى تشييع الجنازة .. وعندما وقعت عينى على حسين الواقف مكلوم محصور .. تساقطت الدموع من عينى واخذته فى حضنى لأخفف عنه مصابه الأليم مع باقى الحاضرين ..
فى الجنازة كل الأمور عادية حتى وصلنا بالمتوفى إلى المقابر .. المقر الأخير .. فًتحت المقبرة .. تعالت اصوات النيحيب والبكاء والصراخ .. فجأة طلب حسين عدم الصياح والتهليل من النساء الحاضرة قريبة الشهيد أحمد حسين .. قائلا : انه رغم صغر سنه إنه قابل رب كريم .. انه يعد من زمرة الشهـداء عند الله .. فلا داعى لازعاجه وهو فى لقاء ربه .. ساد الصمت برهة إلا أننى شاهدت مشهد درامى لم اتوقع حدوثه والحاضرين معى .. الجميع تأثروا به وانخرطوا فى بكاء شديد .. اثناء السكينة التى دخلت القلوب قام التربى ومساعديه بإنزل جثمان أحمد حسين المقبرة .. انفجر الصديق الباقى أحمد مدحت فى البكاء وتعالى صوته بالصراخ .. معظم الحاضرين بكوا من شدة تأثر الصديق لفقد صديقه ولحظة دفنه والدموع غطت وجوه الجميع رجال ونساء وكأنها مظاهرة بكاء على الفقيد ..
هذا الموقف ذكرنى .. بموقف مشابه حدث فى أثناء معركة أكتوبر 1973 المجيدة مع الاختلاف فى بعض المفارقات ..
محمد ابراهيم ( رقيب رياضة .. مسئول التربية الرياضية بالوحدة التى كنا مجنـدين بها ) ومحمد شتا (عريف صف ضابط .. تعليمه الإبتدائية فقط .. مسئول عن كنتين الوحدة) صديقان حميمان من مدينة المحلة الكبرى .. تصـاحبا فى خلال وجودهما بالوحـدة العسـكرية التى جمعـت شـملهم وكنت بدرجة ( رقيب كاتب بذات الوحدة ) .. لكل منا دوره .. متى انتهـيا من مهامهما .. يلتقيان .. لا يفترقا أبدا .. من يراهما يشعر بتوأماتهما الخالصة شبها يزيد فيه شتا بشنبه العريض وتصرفاتهما كأنهما رسالة نسخ كربون .. متذكر تمـام فى يوم 11أكتوبر 1973 حـدث اننى ذهبت للكانتين لشراء باكو بسكويت وسجائر .. وجدت محمد إبراهيم بداخل الكانتين يتحدث ويتشاور مع محمد شتا .. قائلا له : يا ولا انت مش بلدياتى .
رد عليه : اى نعم يا ابن العم .. طب لو انا موت فى الحرب دى .. مين يذهب ليبلغ اهلى .. انا سأكتب لك عنوان دارنا واسم ابويا علشان تبلغه عنى .. وان ملاقتوش بلغ امى المهم حد يعرف انى موت وخلاص ..
قلت له يا شتا : هات السجاير والبسكويت علشان امشى اروح المكتب ..
كلام محمد ابراهيم ضرب فى رأسه .. وقال يعنىيا بو ابراهيم :
انا كمان ممكن اموت .. أنا سوف اكتب لك عنوان دارنا واسم ابويا ..
بالله عليك ما تقصر رقبتى مع اهلى وبلغهم فور حدوث شئ والأعمار بيد الله وانا لله وأنا اليه راجعون ..
أخذت طلبى وفى طريقى للمكتب مقر عملى سمعت دوى قنبـلة ارتطمـت بمبنى الكنتين .. وتلتها قنبلة ثانية .. وثالثة .. حتى دك الكانتين وأصبح تراب على الأرض ..
تجمع العساكر وخرج قائد الوحدة من مكتبه ليرى ما احدثته هذه القنابل المفزعة .. أمر الجنود برفع التراب ثم استخراج الجثث من تحت الأنقاض والتى وضح انها اجزاء متناثرة من أجسام محمد ابراهيم ومحمد شتا ..
قمت باستخراج الأوراق المكتوبة من جيب سترة كل منهما على حده .. واعطيتهما لقائد الوحدة ..
قال لى : ما هذه الأوراق ..
قلت له : هذه الوريقات الصغيرة أخر ما كتباه أمامى وتحمل عنوان كل واحد منهم مع الآخر للأبلاغ عنه فى حالة وفاته ..
وجدت قائد الوحدة ينفجر فى البكاء من هول الحدث ونية الإنسان وأمله فى صديقه .. وتبعه باقى الحاضرين من الجنود .
بعد ذلك .. قائد الوحدة قال لى : عليك يا محمد أن تقوم بإبلاغ إدارة المباحث العسكرية وإدارة التوجيه المعنوى لإبلاغ أسرهم باستشهادهما ..
ولكنها كانت عبرة لمن لا يعتبر .. الصداقة .. قليلة .. يبحث الإنسان عنها فى كل الوجوه التى يقابلها .. لأن الصداقة احتياج انسانى .. الضرورى بذل المجهود السخى والأمانة والصدق حتى يعثر عليها فيما تعاشره من البشر .. والكلمة الطيبة صدقة .. والذكرى الطيبة حسنة .. مؤمنين بأن الدوام لصاحب الأمر ..
انتهت بحمد الله ،،،