اعترافات فى الزمن الضائع
تأليف / محمد بدر الدين بسيونى
من يراها مع سعيد لا يفكر أن يكونا زوجين تعسين كما فى رأيهما بأى شكل رغم انهما تزوجا عن قصة حب مملوءة باللهفة والهيام من أول لقاء لهما فى الحفلة الخيرية التى حضراها وكل منهما لا يعرف عن الآخر شيئا وقد التقت عيونهما واحتوى كل منهما شيئا غريبا فأقتربا من بعض وبادر سعيد قائلا :
- من أنت ؟ ومن أين أتيت ؟ وأسئلة كثيرة متلاحقة ، واندهشت لاسئلته المتلاحقة دون سابق معرفة مبتسمة ولم تلحظ شكله سوى عيونه واسئلته وهيام أيضا لم تعرفه من قبل أو شاهدته فى أى مكان عام قبل ذلك وقالت له :
- اسئلتك كثيرة يا سمك أيه !! وبسرعة رد عليها قبل أن تواصل حديثها سعيد يا فندم سعيد وافتكرت هيام انه سعيد بلقائها وليس اسمه .. فقال لها :
- أنا أسمى سعيد زكى ولاحقته
- أنا شايفة غير كدة خالص !!
- ليه يا فندم .. أنا طيب وابن حلال وموظف محترم ..
- غير مهم .. كل اللى قلته لا يدل على أنك سعيد ولا ذكى .
- يا خبر يا ست البنات انت لو قلتِ أيد أصابعك العشرة شمع أأيد يا فندم بس أنتِ أأمرى ..
وأثناء حوارها مع سعيد .. نادى رئيس الجمعية بجمع التبرعات التى ستتكرم بلمها الآنسة هيام .. وتركته مسرعة لتأخذ مكانها لتلقى التبرعات من أعضاء الجمعية ..
اندهش سعيد عندما وجد الاعضاء تتجمع حولها وابتسامتها العريضة على شفتيها للجميع وانتهز هذه الفرصة ليدفع تبرعه .. ولما اقترب منها اختفت البسمة .. قائلة له
- الآن أنا بمارس عملى .. أرجوك لا تخلط الأمور فى بعضها عندما انتهى من عملى سوف التفى بك ثانيا لأكمل الحديث معك .. يا أبو العُرْيف يا ذكى .. ورد عليها :
- يا ست هيام هانم أنا أقدر لك عملك الخـيّر ، وسوف اتبرع للجمعية بمائة جنيه أم انك ترى ليس من حقى اتبرع !!
واظهرت هيام سعادتها بأن رأيها فيه انه رجل مبسوط ماديا ويملك من الخير فى قلبه وان كان مظهره لا يدل على ذلك .. وقالت له :
- انك تبالغ اتبرع فقط بعشـرة أو عشرين جنيه ووفر الباقى ينفعوك قدام ولا أحد يعرف الظروف .. ولكنه أصر على أن يدفع المائة جنيه كاملة .. وقبلتها منه مؤكدة له بانه ليس ذكى كما قالت له ..
بعد انتهاء هيام من جمع التبرعات شكرها رئيس الجمعية على جهودها الطيبة ، واتجهت إلى سعيد وتحدثا مع بعضهما حتى انتهت الحفلة .. ولكن تليفوناته لها لم تنقطع طوال اسبوع انتهى بخطبته لها ..
وبدأت الخلافات تدب بينهما لأتف الأسباب ورغم ذلك تم زواجهما وهما دائما الشجار كناكر ونكير مع بعض ولم يتفقا على شيء مشترك بينهما حتى ساءت علاقاتهما .. ولكنهما لم يفكرا فى الانفصال عن بعضهما حيث انجبا ابنتين لا ذنب لهن أن يعيشا حياة التفكك الأسرى ، وهنا فقط تتقابل وتتفق الأفكار بينهما وهى حياة وخلاص ..
وماذا جنى سعيد من كل هذه السنوات مع هيام سوى الهجر والخصام والصلح والنكد المستمر وذلك دون تدخل أحد بينهما وهما قادرين على حل مشاكلهما ويتغلبا عليها من أجل البنتين ، وكيف يكون اسمه سعيد وليس واقع فعل فى حياته .. الحياة غريبة أن تفرد قلوعها علينا وسط صخب امواجها واعاصيرها وتكتفنا فلا نستطيع ان نهرب منها إلى ما نريد ولابد من وقفة لعمل تغيير جذرى فى حياته ، وظل يستعيد ذكرياته من بدء معرفته بالحياة التى لم يجد منها ما يشفع عنده للاستمرار فيها ، وكيف التغيير وهو مكبل حتى آخر عمره ولم يجبر زوجته أو ابنتيه على فعل شىء غير مقتنعين به . وبعد هذه السنين الطوال من العشرة ، ماذا غير هيام من ناحيته بالرغم مما فعله من أجلها ، محدثا نفسه :
انه لشىء مدهش فى الأمر .. كيف يعيش مع زوجته على سنة الله ورسوله وبعد سنوات عاشاها بحلوها ومرها أصبحت لا تطيق ان يلمسها وعندما يربت عليها تنهره لصقل يده وكيف تنكر على نفسها حقها فى الحياة الطبيعة وكثيرا ما تحرجه أمام نفسه وتغضبه .. حتى الكلام الذى يتداوله الأزواج فيما بينهما معقود لسانها عن اخراجه ..
وبكى حاله ودخل بيته والجميع يغطون فى نوم عميق وفجأة دق جرس الهاتف .. وبثقل شديد رفع سماعة الهاتف .. ألو .. ألو .. ورد عليه صوت غريب لم يسمعه من قبل قائلة له :
- أكيد لم تعرف الصوت الذى يحدثك فى هذا الوقت المتأخر .. فقال لها :
- من فضلكِ هذا البيت محترم ولا داعى لمهاتراتك هذه .. فاستحلفته بالله لا تتسرع وتقفل السماعة .. فقال لها :
- وما هو الداعى الذى يجعلنى استمر معك فى الحديث .. فردت عليه بسرعة قبل أن ينهى كلامه :
- عيد ميلاد سعيد .. كل سنة وانت طيب .. أكيد عرفتنى الآن ، صمت عن الكلام برهة ثم قال :
- أن لم تفصحى عن شخصيتك سوف أقفل الهاتف فقالت له ..
- أنت بحق معذور ، فاننا لم نر بعض منذ أن تخرجنا من الجامعة .. وبعد السنين الطويلة .. وهموم الحياة جعلت كل منا ينسى ..
- ينسى أيه .. أنا تعبان ومحتاج ارتاح .. من فضلك اختصرى ..
- كيف اختصر والحديث طويل ويحتاج وقت !! .. فقفل السماعة ..
فرأس سعيد مملوء بأفكار تارة ترفعه إلى عنان السماء فيحلق فى اجوائها وتارة تنزل به سابع أرض ليغوص فيها هاربا من جحيم الحياة ..
عاودت رئيفة محادثته ثانيا ، ولكنه علق سماعة الهاتف دون أن يرد عليها مرة أخرى ويدخل فى جدال لا طائل منه واعتبرها امرأة فاضية محتاجة تتسلى وتضيع الوقت ، ولم يعبأ بشىء فدخل غرفة النوم ليجد هيام تقول له ..
- انت شرفت وادارت جسدها الجهة الأخرى مشوحة بيدها أن يغلق الأنوار لتواصل نومها .. وليس أمامه إلا أن يفعل مثل ما قالت له .. فأنها تعشق النوم أكثر من أى شىء آخر .. وحاول استدراجها ليذكرها بعيد ميلاده المنسى برغبته .. فقالت له :
- أيه يعنى كل الناس لها يوم ميلاد لا أنت أولهم ولا أخرهم .. اتركنى أنام والصباح رباح وكلمنى فيما ترغبه من الكلام ..
- استيقظ سعيد وزوجته على صوت مشادة كلامية بين ابنتيهما سلوى وسلمى وكثيرا ما يتشاجرا من أجل العابهما ولم تسمح سلمى لاختها سلوى بأن تلعب بالعابها ولاحظت هيام سماعة الهاتف مرفوعة وارادت ان تستوضح الأمر فقال لها :
- بسبب المعاكسات التليفونية .
بمجرد ان وضعت السماعة رن جرس الهاتف وحاولت جاهدة أن تعرف من الطالب لكن رئيفة ارادت ان تدخل الشك فى قلب هيام وكررت رئيفة مطالبتها الهاتفية لسعيد ولانشغال هيام بتحضير الافطار وتجهيز سلوى وسلمى ليذهبا لمدرستيهما .. رفع سعيد السماعة ليجد رئيفة تقول له :
- صباح الخير يا سعدة وسريعا ما تذكر سعيد بان زميلته رئيفة هى الوحيدة التى كانت تناديه بهذا الاسم ، وقال لها :
- أنتِ فين وفين اراضيكِ ، من يوم ما تخرجنا لم نتقابل أو نلتقى فى أى مكان ، وكيف عرفتِ رقم تليفونى ، وحكايتك أيه ، كنتِِ تفصحين عن نفسك من أول مكالمة ، أنتِ عارفة الواحد كبر ورأسه مملوءة بحاجات كتيرة غير زمان .. فقالت له رئيفة :
- انت بتكبرني معاك .. لا أنا مازلت شباب وحيوية .. المهم ضرورى أراك فى أقرب وقت .. دخلت عليه هيام فتظاهر بان النمرة غلط وقفل الهاتف قبل أن يأخذ ميعاد للقاء رئيفة التى أصبح فى حاجة ملحة لرؤيتها ومعرفة ما أهمية حاجته له ..
دائما الإنسان يفر مما حوله باحثا عن ذاته أثناء شـعوره بفقدها مع تيارات الحياة التى يمر بها ، لكى لا يعيق حركة حياته حتى من أقرب الناس اليه ، طالما لم يجد نفسه بينهم .
وكان هاتف رئيفة بمثابة القشة التى كان يبحث عنها وسط البحار ليغوص فى عالمها بعيدا عن عالم هيام ..
تفاقم ظروف الحياة جعل هيام لا تطيق الحياة الرتيبة معه لتطلعها للتغيير المستمر ، واسـتياءها من قلة المــوارد ، إلا أن التغيير أصبح شىء مستحوذ على افكارها لكثرة ترديده فى نفسها .. العمر لحظة لا تريد ان تفقدها سدى لابد ان تعيشها .. لديها خوف من شىء ما .. نادمة لأشياء كثيرة واقعة كانت لا تتمناها .. لها عالمها الخاص بها .. لا يتفق أحيانا وظروف المكان أو التواجد الزمنى .. لا تقبل بالتقيد الحركى .. تريد حياة التلقائية التى أصبحت مرفوضة فى مجتمع له تقاليده ولكنها جديرة بالمسئولية وأمينة فى نفسها وفى بيتها .. غالب وقتها أو كله لبناتها .. تتأمل فى أمور كثيرة ثم تعود وتحزن لما آل اليه حالها .. لا شىء يبهجها ولكنها تنتظر فرصة لتجد فيها نفسها وأيضا لم تعرف من أين تبدأ ..
عندما وصل عمله فاجأه سكرتيره الخاص بعدد كبير من المكالمات التى جاءته ومن بينهم ثلاث تليفونات لرئيفة .. بالسرعة هذه عرفت تليفون شركته .. اكيد طلبها بإلحاح وراءه شئ غير عادى وغير معروف ولابد من الحدث إليها لأستوضح الأمر وتحديد ميعاد لمقابلتها .. وفجأة أخبره سكرتيره بأن المدام رئيفة على الهاتف .. وسريعا ما رفع السماعة وبدأ يحدثها بحرية بعيدا عن هيام .. وقالت له ..
- يمكنك تحضر إلى مكتبى الساعة الحادية عشر وعنوانى ...................................
سريعا ما سجل العنوان , وتوجه إليها بمكتبها لتوريد الآليات الهندسية وتركيبها فى الميعاد المحدد ليجدها فى إنتظاره مع مجموعة من رجال الأعمال من بينهم بعض زملاء الجامعة قابلوه باشتياق وحب وآخرين لا يعرفهم .. يراهم لأول مرة ..
رحبت به رئيفة التى كانت فى أجمل زينتها.. كأنها مازالت طالبة فى الجامعة .. فى ريعان شبابها .. الزمن لم يأخذ منها ولم يحدث لها تغيير كبير فى ملامحها سوى بعض شعيرات رأسها قليلة الشيب .. وعلى الفور توجهوا جميعا لغرفة اجتماع كبيرة لم ير فى جمال رونقها .. كأنها غرفة اجتماع فى مجلس الوزراء .. ارضيتها مفروشة باركيه وجدرانها مغطى نصفها الاعلى برسوم جميلة لبعض الآليات الهندسية التى يتعامل المكتب فى نشاطها والسقف مدلى منه ثريا كبيرة تتوسطه واضاءة اركانها بأضواء خافتة مريحة للعين .. أما ترابزة الاجتماع فهى مصممة داخل غرفة الاجتماع لكبر حجمها .. مغطاة بمفرش جميل فوقه زجاج من النوع المستورد .. يعطى بريقا للمفرش .
جلسوا جميعا على ترابرة الإجتماع .. وبدأت رئيفة هانم مرحبة بضيوفها .. وعرفت جميع الحاضرين ببعض وأعلن كل منهم عن شخصيته ونشاطه وغالبهم يعمل فى مجال مشاريع الأمن الغذائى ..
استعرضت رئيقة أمرا مهما .. شغل الجميع .. يتساؤلون عنه .. وهو لماذا اختارت هؤلاء الرجال .. وما الغرض من ذلك .. ثم بدأت تتحدث عن مشروع العمر التى كثيرا ما حدثت سعيد عنه أثناء فترة الدراسة .. وهو اقامة مشروع قومى يفيد البلد ويستفيدوا جميعا منه بدلا من المشروعات الفردية .. التى تميزها صفات غير مطلوبة فى الحقيقة لبلدنا مثل مشاريع : اللبان ، الشيكولاتة .. السكويت ، الشيبسى والمياه الغازية ، وخلافه .. وهى التى اشتهرت فى الأونة الأخيرة تحت مسمى الأمن الغذائى .. ولا يجنى منها سوى المكسب السريع دون تقديم ما يفيد الإنسان وكلها فى خدمة الطفل .. طفل المستقبل الذى يحتاج إلى غذاء صحى ينمى جسمه ولإعداد رجال المستقبل الذين تعتمد الدول عليهم ..
انها ترغب فى مشروع أمن غذائى من نوع أخر .. فأرض مصر تفيض بخيراتها فى الإنتاج الزراعى ولخصوبة أرضها الطيبة .. دون استخدام الاستخدام الأمثل ..
الأمن الغذائى الصحيح فى رأيها .. استغلال الإنتاج الزراعى .. وتصنيع منتجاته وتوفيرها بأسعار معقولة فى متناول جميع فئات الشعب .. وانتهى الإجتماع بموافقة الجميع على اقتراحها والمضى فيه .. وطلبت أن يوافيها كل منهم بمقترحات بناءة حول المشروع المقترح فى الاجتماع القادم .. فى نفس الميعاد الأسبوع التالى .. وعند مغادة الجميع قاعة الاجتماع طلبت من سعيد أن ينتظرها فى مكتب الإستقبال .. لحاجتها الماسة لخدماته ..
لم يصدق سعيد لما وصلت إليه رئيفة .. وكم طورت مكتب زوجها بعد وفاته وحولته إلى شركة هندسية كبيرة تعج بالمهندسين من جميع التخصصات ..
جلست مع سعيد فى جلسة عمل خاصة طلبت منه أن يصمم لها المبنى المقترح والمخازن اللازمة وطبيعتها .. هذا العمل خاصته به لمعرفتها الجيدة بتصميم المشروعات التى كان يحصل على درجة امتياز فى تصميمها أثناء الدراسة .. واعطته عربون تحت الحساب لعمل النماذج والتصاميم المطلوبة ..
خرج سعيد وهو ينتشى لثقتها التى وضعتها فيه وخاصته بها .. لأول مرة يشعر بأهميته .. وهناك من يقدره .. وعاش لحظات جميلة انتهت بمجرد دخوله بيته ليفاجأ بزوجته هيام تخبره بما دار فى الاجتماع وتاه برج من عقله ..
هيام تتجسس عليه وعلى تصرفاته .. وقالت له .. كم اعطتك الست رئيفة لعمل التصاميم .. مرددا فى نفسه .. هيام لم تخرج من المنزل .. كيف عرفت كل ذلك .. أكيد لديها مخبر سرى يتتبعنى ويخبرها بكل خطواتى ..
رئيفة .. اتصلت بهيام وأخبرتها بكل شئ لتعرفها بأنها لا ترغب من سعيد شئ سوى المساعدة فى مشروع حلمها الذى سيعود على الجميع بالفائدة الجمة .. وعلى هيام أن تعطى بعض وقتها للإهتمام بسعيد حتى ينتهى من عمل التصاميم .. ولم يدخل على هيــام هذا الحديث من رئيفة .. فهى أمرأة ليست سهلة لتؤمن بما يقال لها .. لابد من دخول الشك فى قلبها .. لماذا سعيد بالذات .. أكيد سعيد فيه مزايا .. هيام لم تدركها .. ومع حركة الحياة نسيت من يكون سعيد .. ولكن هيام قالت لها سعيد مهندس متميز ويحب شغله بشكل جنونى .. المهم لا تنسى انه متزوج ولديه بنتين .. وضحكت رئيفة بصوت عالى جلجل فى أذن هيام ولم تعلق على كلامها .. انهت المكالمة .. وقفلت السماعة ..
الغيرة عند الإنسان فطرة .. ولكنها تتفاوت نسبيا من شخص إلى أخر .. لذلك أحيانا تكون الغيرة قاتلة .. ورغم حياة سعيد وهام مملؤة بأشياء متناقضة كثيرة إلا أنها تغيير عليه من الهوا ولا تترك الفرصة لأحد يشاركها فيه حتى ولو كان بالمدح ..
سعيد لم يصدق نفسه أن رئيفة تفعل هذا ولم يتعود من هيام الكذب .. وتساءل ماذا تريد رئيفة من حديثها مع هيام ..
ماتت فكرة مشروع الحلم من جانب سعيد .. ورفض كل الوسائل التى تعيده للإنضمام للمشروح وتوسطت رئيفة بعدد من الزملاء القدامى .. ولكنه أصر .. ولم يعرف أحد سبب إصراره.
رئيفة خرجت من حياة سعيد .. وعاد لمكتبه الهندسى .. ليفاجأه السكرتير بفوز التصميم الذى اعده سعيد لشركة الإلكترونيات الحديثة .. فرح سعيد فرحا شديدا لتوفيقه فى هذا المشروع ، واصبح مكتبه رسميا المشرف على تنفيذ المشروع .. ولم يعط وقت لأحد غير عمله وبيته .. وبدأت حركة مكتبه تنشط .. مما اضطره لتعيين ثلاث مهندسين بمكتبه لمساعدته فى الإشراف على المشروع ..
هدأت الغيرة عند هيام مرة أخرى وبدأت تشعر بتثاقل الإيام .. وطلبت من سعيد ان تعمل معه حتى لو سكرتيرة تنظم له مواعيده وترد على تليفوناته .. خاصة فى الفترة الصباحية .. حتى تعود سلوى وسلمى من مدرستهن ..
وافق سعيد مبديا سعادته بطلبها .. وهو متأكد من أنه عندما يشتد البرد سترفض هيام الخروج من المنزل الذى اصبح مملكتها منذ تزوجته لبرودة اطرافها بدرة برودة غريبة تجعل اطرافها متخشبة .. وطوال فترة الشتاء تظل جالسة أمام المدفأة معظم الوقت .
بدأت هيام تمارس عملها كسكرتيرة فى الفترة الصباحية وطلب من سكرتيره حسين أن يعمل فى الفترة الصباحية فى إدارة الحسابات والفترة المسائية يعمل سكرتير .. مع زيادة مرتبه .. لم تكمل هيام شهر فى عملها حتى اشتد البرد وعاد حسين لموقعه سكرتير طوال اليوم ..
واصل سعيد نجاحه بعد أن اشتهر اسمه فى السوق وأصبح مكتبه من المكاتب المتميزة التى يسند إليها تصميم المشاريع الكبيرة .
فرصة نجاح سعيد جاءت بعد زمن .. وهى الفرصة التى يحتاج لها كل إنسان .. ولكنها تأتى مرة واحدة وأن لم يستغلها بشكل جيد .. لم تأتيه الفرصة مرة أخرى ..
رئيفة يأست من رفض سعيد .. وكلفت أحد المكاتب الاستشارية لعمل التصميم المطلوب للمشروع ثم أحالت المشروع إلى مكتب سعيد لمراجعته والإشراف على تنفيذه .. فعين لها أحد ا المهندسين الذين يعملون معه مسترشدا برأى سعيد فى كل خطوة يخطوها لتنفيذ مشروع الأمن الغذائى وذلك لكى لا يكون سعيد فى الصورة .. وتكون حجة لمقابلته بين الحين والأخر .
بعد إنتهاء المشروع .. أصرت هيام أن تحضر حفل افتتاح المشروع بناء على دعوة وجهتها رئيفة لسعيد وحرمه على المنزل .. ولكن سعيد كان واعى لما تقصده رئيفة من هذه الدعوة .. لإنها وجهت له دعوة خاصة باسمه فقط ارسلت إلى مكتبه .
أثناء توجه رئيفة يوم الإفتتاح للمشروع تعرضت لحادث سيارة نتج عنه كسر رجلها اليمنى ورضوض فى عظام صدرها .. مما أقعدها على كرسى متحرك .. وصممت على افتتاح المشروع رغم اصابتها .
تم افتتاح مشروع الأمن الغذائى الجديد فى نوعيته .. بما يستحق أن يطلق عليه .. وذلك وسط لفيف كبير من المدعوين ليبدأ خطوات الإنتاج الأولى .. وبصرها لم يألو جهدا فى البحث يمينا ويسارا عن سعيد .. وقالت فى نفسها :
- يا خسارة .. كان فى نفسى سعيد يحضر حفل الافتتاح ليشاهد تحقيق الحلم الذى حلمنا به كثيرا ، ولكن ……….
عادت رئيسة إلى منزلها والوجوم يغطى وجهها .. وبمجرد دخولها غرفة نومها سارعت الإتصال بالأستاذ سعيد لتهنئة .. وتبارك له أحلامه التى صممت على تحقيقها رغم انسحابه منه كعضو من مجموعة مؤسسى المشروع ..
دق جرس الهاتف وكان سعيد متأهب للنوم فأمسك بالسماعة ليجد رئيفة تحدثه بنبرة حزينة لم يعهدها من قبل لما توصف به من قوة وعزيمة تفوق عزيمة الرجال الأشداء .. كما اختفت من شفتيه الرقة فى الحديث إليها .. وكأنها مكالمة عابرة فاترة .. لم يكن فيها الحماس الذى عهدته فيه من قبل .. منهياً حديثه معها .. مبروك وربنا معاكى .. ولم يفرح سعيد لما ستحققه من وراء هذا المشروع ..
لا يأخذ الإنسان كل ما يتمناه فى هذه الدنيا .. فنصيبه منها مكتوب عند الله سبحانه وتعالى ولا مغير لإرادة الله .. فالرضاء بما قسمه الله للإنسان فضل من الله لا يرضى به به إلا المؤمنين ..
نام سعيد ليلة مؤرقة معاتبا نفسه لموقفه المتشدد مع رئيفة التى كانت معه كنسمة هواء عليل فى وقت الصيف المتضجر بشدة الحرارة .. هكذا رد الفعل عند الرجال .. لا يغوصون فى أعماق النساء القريبات منهن .. فيخسرون أشياء يندمون عليها فيما بعد ..
هذه فرصة أخرى لم تولد مرتين .. فقد تفقد المرأة كبريائها فيعز عليها نفسها فتأبى الدخول فى حياة رجل رفضها لأى سبب كان .. حتى لو من أجل زوجته .. فهى لا تنسى انها كانت حبيبته الأولى .. وجاء الوقت لتسترد حبها .. ولكن ..
أهملت رئيفة المشروع .. رغم ما يحققه من ارتفاع مستمر فى الإنتاج وجنى ثمار إنتاجه وأرباحه الكثيرة .. وذلك لشعورها بالوحدة .. قائلة لمستشاريها البركة فيكم .. أنتم أصحاب المشروع .. ونجاحه .. نجاح كبير لكم ..
أضاعت رئيفة وقتا كبيراً دون فائدة .. لصلابتها الشديدة بحب الحياة .. كلما إنهارت نفسيتها .. استردتها بقوة أشد .. كما حدث لها بعد وفاة زوجها السابق .. وها هذه المرة حبيبها رفضها وهو حى يرزق .. فكرت تشغل نفسها .. باندماجها فى العمل لتثبت لنفسها أنها مازالت رئيفة القوية التى لا يهزمها المواقف .. وتناسبت سعيد بأفكاره القديمة ، كما تناست الحنين للماضى .. واعتبرته كسحابة صيف مرت عليها مرور الكرام .. وواصلت حياتها بارتباطها بالزواج من أحد مستشاريها الذى يقاربها فى العمر ، وقد تأخر فى الزواج لظروف خاصة مرت به فى بداية حياته وبموافقتها للزواج منه لثقتها فيه وقد أصبح ذراعها الأيمن . فى كل ما تديره من الشركة والمشروع ..
فى ليلة زفافها .. فوجئت بحضور سعيد مع زوجته وأبنتيه سلوى وسلمى فى أبهى زينة مباركين لها الزواج مع التمنيات الطيبة لهما بالرفاء والبنين .
وعند هذا الموقف .. نظر لزوجته هيام وأبنتيه .. واعترف لنفسه .. بانه فعلا .. فى الزمن الضائع .. قائلا : ليت الزمان يعود يوما لأخبره بما حدث لسعيد ..
تمت بحمد الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق