أفراد غلابة .. فى مجتمع مصر .. !!!
بقلم / محمد بدر الدين بسيونى
عظام الرجال لا تولد من بذور شيطانية .. أنما لها جذور وأصول ثابتة وراسخة فى أذهاننا .. وعائلات بتتوارث السمو وارتفاع القامة كأسود يصدون عن عرينهم من خلال منزلتهم القوية فى المجتمع .. وهناك رجال خزلتهم الدنيا لظروف عديدة ومناخات وبيئات مختلفة ولدوا فيها .. وكم كانوا يحلمون لو ولدوا من الفئة الأولى .. ولكن هى إرادة الله .. وله فى خلقه شئون .. أن ما دفعنى لكتابة هذه القصة هو ما يدور من أحداث حولى فى زمنى هذا الذى نعيشه بكل مفارقات الحياة ومواقفها المختلفة .
بالرغم من اختفاء بعض الألفاظ التى عشناها وتعايشنا معها فى عصر ما قبل الثورة وكانت تطلق هذه الألفاظ أقصد الألقاب على من يمنح اللقب وكل حسب عطائه وولائه للملك الحاكم فى هذا الزمان وأحيانا تعطى تدريجيا فيمنح أولا بك ثم يرقى إلى الباشا وعادة ما كانت تمنح لفئات معينة فى المجتمع المصرى ما قبل الثورة وهم من وجهاء المجتمع ككبار الضباط وأصحاب الشركات أما لقب الزعيم فكان يطلق على زعماء الحركة الوطنية ضد الملك والاستعمار ولا استطيع تحديد شخص بعينه مما يحملون هذه الألقــاب التى كانوا ينعموا بها وامتيازاتها .. وتعالوا بنا لنرى كيف وصل الحال بهذه الألقاب فى زماننا الحديث بعد قيام ثورة يوليو المجيدة التى قامت فى منتصف القرن العشرين ومازالت تتداول حتى يومنا هذا فى أوائل القرن الواحد والعشرين ولكنها أخذت معانى ومحامل أخرى لا تمت لها ولا ناسها بأى صلة ولا يوجد انطباق لفظى يعنى الشخص إلا لحذلقة وتقرب إليه والوصول والسعى للحصول على أشياء باهتة ولم يتفهموا ماذا تعنى الحياة لهم ولسائر مخلوقات الله .
فى أحد الأيام من أوائل القرن الحالى وبالتحديد فى عام 2005 وصلت قسم الشرطة للاستفسار عن موضوع خاص بى ، وعندما دخلت قال لى العسكرى رقم (1) الواقف على بوابة قسم الشرطة روح للباشا يدلك وأشار بيده شمالا جهة أمين شرطة ملتحق حديثا بالخدمة فى وزارة الداخلية عمره لا يتعدى الخامسة والعشرين سنة وبطبعى الهادى تحركت تجاهه ووجدت نفسى أقول له يا سيد لو سمحت وقبل أن أعرض موضوعى عليه .. انتفض واقفا .. وشخط فى كأنى طفل صغير أرتكب خطأ لا يغتفر ويخشى والده يؤنبه عليه وبكل صرامة وعنجهية لم تكن من صفات رجال الشرطة رد قائلا لى :
أنا مش سيد قلت له رقم واحد هو الذى وجهنى .. يكون الخطأ منه . قال :
لا أنت ما تعرفش ألفاظ ينادونا بها غير سيد .. قلت له :
أكيد الأستاذ / ؟؟ ، ولوسمحت اتعرف على حضرتك علشان أناديك به وليت لسانى ما تفوهت ، وكأنى تعديت على الذات الملكية فى عصر الملك بما تحمله من معنى وانصرفت دون أن افهم لماذا دار كل هذا الهرج بدون معنى واضح ، وما هو الخطأ الذى ارتكبته ..
وعدت لمنزلى دون أن أوفق فى الحصول على ما كنت أرغب فى الاستفسار عنه وعلى رأى المثل رحت وجيت يا أبو زيد ما غزيت ورجعت دون جدوى .
فى اليوم التالى صادفنى صديق فى الطريق يعمل فى مستشفى الشرطة وفى أثناء حديثى معه تطرق الموضوع حول ما دار بينى وبين أمين الشرطة بالأمس – وقال لى رؤوف أنت مش عارف الضباط وأمناء الشرطة كلهم بلا استثناء بكوات وبشوات كل العصور، دول أسياد البلد فى أيدهم كل حاجة ولم أتوسع معه فى الحديث لميعاد مهم وخفت الميعاد يفوت علي .. فتركته ليواصل كلا منا طريقه .
فى نفس اليوم من الأسبوع التالى عاودت الذهاب لقسم الشرطة حيث انه يوم اجازتى المعتاد .. وهذه المرة لم استفسر من العسكرى رقم واحد لأنى عرفت مين الشخص الذى يمكننى الاستفسار منه وتوجهت مباشرة إلى أمين شرطة الواقف على البوابة من الجهة الأخرى .. وبدأت الكلام صباح الخير يا باشا كما أشار علىّ صديقى .. وطبعا كان أمين الشرطة غير الذى قابلته فى المرة الأولى .. وبالنظر إلى وجهه ظهرت عليه الأسارير لمنافقتى له باسداء له بلقب غير حقيقى مغطى بنفاق وأنا غير مقتنع .. المهم أفسح لى الطريق ووجهنى إلى مكتب رئيس المباحث المقصود الاستفسار منه ، وعندما وصلت لمكتبه .
فوجئت بضابط يرتدى رتبة رائد وبجانبه أمين شرطة .. احترت أخاطب من فيهم ؟؟ .. وحذر أن أقع فى خطأ يغضب أحدهم منى .. وقفت برهة .. وبسرعة قلت السلام عليكم .. وارتحت من قول أى لقب لأحدهم يأخذ الآخر على خاطره منى وتتعقد الأمور .. وتطفل أمين الشرطة متفضلا بقوله أى خدمة .. فقلت له يا باشا أنا عايز رئيس المباحث .. وفجأة تراجع الرائد مكشرا ومشوحا قائلا : شوف موضوعه أيه يا أمين .. فقلت فى نفسى ، ما أزعجه وسألت أمين الشرطة هل أنت أسمك أمين .. بك .. قال لى أن أسمى حسين ، أمين دى يعنى أمين شرطة ، قلت له يناديك بدون لقب بك أو باشا وانتم داخل القسم أومال ليه تطلبون من البشر القادمين للقسم ينادوكم بإلقاب عفى عليها الزمن وألغتها قيادة الثورة المباركة منذ قيامها .. رد قائلا :
أحنا يا بك بمنى نفسينا بشىء ليس فينا لا أحنا بكوات ولا باشوات أحنا يا بك غلابة وده كله منظرة ومالوش معنى لكن بعض منهم يا بك يحب المنظرة وأهو بقى ..
وختمت كلامى معه بشرح موضوعى الذى حضرت من أجله بنفسى لمقابلة رئيس المباحث .
ترى مين رئيس المباحث .. ولم أعى بالمرة انه الرائد .. الذى كان واقف بجوار أمين الشرطة حسين .. اعدت عليه الصباح .. صباح الخير يا باشا .. رد بازدراء .. كأنه شايل هموم العالم .. ايوه فى أيه .. اختصر .. ولخصت له الموضوع .. ثم نادى على أمين الشرطة .. يا أمين تعالى خد أقوال الأستاذ وأن شاء الله بعد يومين تيجى تشوف النتيجة .. مع أنه ممكن اشوف النتيجة فى الحال بتحريك أحد رجاله معى .. قلت له ممكن ارسل صديق لى لإنشغالى بعض الوقت .. رد .. أوكى .. أوكى مفيش مانع ..
خرجت من عنده .. متشـاهد .. قائلا : لا إله إلا الله .. لأن دخول القسم غير الخروج منه .. وحمدت الله ..
وفى شارع رئيسى على ناصية قسم الشرطة وكان وقت الظهيرة وحرارة الشمس شديدة .. وجدت شخص ما .. انيق فى مظهره .. يرتدى نظارة سوداء على وجهه .. ينادى على تاكس قائلا للسائق .. الجيزة يا زعيم .. وأحسست أن الزعماء الوطنيين الذين لم نعاصرهم ولا نعرفهم إلا من خلال دراسة كتب التاريخ الحديث فى المدارس .. عادوا مرة أخرى من قبورهم أمثال أحمد عرابى الذى وقف أمام خديو مصر لإسداء طلبات الأمة والجيش ومصطفى كامل وموقفه من الإنجليز وحادثة دنشواى ومحمد فريد الذى بذل الغالى والنفيس فى خارج مصر مندد بالاستعمار الإنجليزى لمصر والزعيم سعد زغلول صاحب ثورة 1919 .. وجمال عبد الناصر ومجموعته أصحاب ثورة 1952 البيضاء .. وتسألت هل هؤلاء العظام عادوا مرة أخرى .. وهم الذين حرموا على أنفسهم الحياة العادية كأى مواطن وليس لديهم اختيار سوى التضحية بكل ما يملكون من أجل الوطن .. انه فكرنى بعهد الأستعمار الانجليزى الذى بزغ فيه هؤلاء الزعماء .. على فكرة من خلال متابعتى للموقف وجدت سائق التاكسى استبعد المشوار .. من شارع جسر السويس للجيزة .. وأى مقاولة مع الراكب لا تجدى بأرهاق المشوار وسط الظهيرة .. فاعتذر له وواصل طريقه .. وظل واقف .. وبفضول منى أستأذنته للحديث معه وقلت له : سمعتك تنادى سائق التاكسى .. الجيزة يا زعيم .. لقد نسبت له زعامة وشهامة لم تكن فيه وأعطيته قولا أكثر من حقه كثيراً .. ممكن أعرف ماذا تقصد بعبارة يا زعيم .. إلا يوجد سائق غيره فى المنطقة وهل هو الزعيم صاحب ثورة اضراب سائقى التاكسى فى مصر وبالتالى أصبح زعيم السائقين .. تسمر برهة فى مكانة ورد قائلا :
يا بك أحنا ناس غلابة .. وبنتمنى المساعدة من أى حد .. طريق طويل والدنيا حر وقت الظهيرة .. قلت له :
أولا أننى مواطن عادى مثلك لا بك ولا باشا وهذه الألقاب لم تكن يستحقها أى إنسان إلا المؤهل لها .. فهى ترفع قدر الإنسان من تواضعه .. ويحس بفضله وعظمته على الأخرين فيصدق نفسه فينقلب علينا ولم تمتد يده ليساعدنا ونأخذ منه ما نتمناه .. مع أن مساعدته لنا ليست لوجه الله أنما يأخذ عليها أجرة .. بمعنى أنه يبيع مساعداته للناس مقابل أجر محدد أو متفق عليه ، وفى سياق الحديث عرفته بنفسه وعرفنى بنفسه .. انه محمود كمال الصرطى ويعمل مدير عام بأحد الوزارات .. قلت له :
أنك رجل طيب وغلبان ومدير عام ومع ذلك لم يمنحك أحد أيا من الألقاب التى توزعها على خلق الله .. المفروض أنهم فى خدمة كل المواطنين ويحصلون على أجور مقابل خدمتهم وقد ذكرتنى بأحد الزملاء الذين قابلتهم فى بلاد الغربة والتى استمرت زمالته أكثر من عشر سنوات وهو ينادينى بصديقى العزيز .. لدرجة أننى من كثرة سماعها صدقته أننى صديقه العزيز ( الوحيد ) وهو ما يقنعك بأنه وجد فيك الخل الوفى وهى من المستحيلات المشهورة .. وكان خلالها يطلب منى ما يشاء ولا استطيع أن أتأخر عليه أو أرد له طلب بحكم الصداقة وللصديق له على الصديق أشياء كثيرة بالإضافة للود والاحترام .. الوقوف معه وقت الشدائد .. وفى الأفراح .. ولكن يا قرائى الأعزاء .. ومع أول صدام بينى وبينه نسى كلامه ونسى العيش والملح ونسى مواقفه الصعبة التى كنت أقف بجانبه فيها موقف الرجال .. أثنائها أحسست أنه لم يعرف معنى الصداقة والوفاء بين الأصدقاء ولم أعاتبه لأنه أكبر منى سنا ويعى تماما ما يقول ..
الحياة حافلة بالمواقف المتقلبة والمفارقات فى مجالات كثيرة والناس باختلاف انواعها وأكيد لابد أن نحياها بحلوها ومرها .. أخذين البساطة فى حل الأمور طريق سبيلنا .. من تواضـع لله رفع يا بنى البـشر .. كما لا يحق لنا أن نصدق كل ما يقال .. حتى يتبين لنا الأبيض من الأسود لكى نفهم الأمور على حقيقتها .
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق