فات الأوان
تأليف / محمد بدر الدين بسيونى
خفة ظل وجمال " علا " جمال بنات الريف .. انوثتها طاغية تفوق اقرانها .. جعل والدها لا يسمح لها باستكمال تعليمها واكتفى بالثانوية العامة فأصبحت نصف مثقفة رغم طموحها وذكائها .. حتى زوجها فُرض عليها .. قبولها لم يكن بإرادتها .. ولم يكن لها صديقات .. وتلاحمها مع زميلاتها قليل خوفا من أن يعلم والدها بذلك فيحرم عليها الذهاب للمدرسة ذات الوقت .. طاعتها لوالديها .. طاعة عمياء .. ولم يناقشها أحد فيما يخصها .. كل شئ فى بيت أبيها مفروض عليها بالرغم من أن والدها رجل متعلم ومثقف وسخى فى طبعه .. وظيفته مرموقة .. احتكاكه بالبشر وارد بحكم وظيفته .. جاء من الريف حاملا معه أفكار ومبادئ القرية متمسكا بعاداتها وتقاليدها وأعرافها فى كل الأمور .. ولا يمكنه التساير مع حياة المدينة أو يفرط فى عاداته وتقاليده التى تربى عليها .. اغلق الباب على أهل بيته لتحاشى مكنونات البشر وما اخفى .. والتى انطبعت فى ذهن علا منذ صغرها وأصبحت متشبعة وزاحمت بها أفكارها .. لذلك لم تتفق حياتها الزوجية .. مع زوجها عصام إبراهيم ابن المدينة الذى تربى وترعرع فيها متعايشا بتقاليدها وعاداتها التى لا تتفق وعادات أهل الريف .. وتجربة " علا " فى الحياة صغيرة تجهل أمور كثيرة ..
بعد سنة من طلاقها توفيت والدتها وأصبحت سيدة المنزل شاركت والدها فى تربية أخوها نبيل واخوتها الصغيرة صفاء .. وتدبير أمور البيت ومتابعة أخواتها ومراجعة دروسهم فى حدود معلوماتها .. كما أنه لم يتقدم لها أحد طوال السنين الماضية والأيام والسنين تمر حتى تخرجت أختها " صفاء " من كلية التربية ، ولجمال " صفاء " الأخاذ الذى يجذب الشباب للأرتباط بها .. تقدم لها زميلها "أحمد" الذى أصبح معيدا بالكلية التى كانت تدرس بها..
تذكرت " علا " زوجها السابق " عصام " ، تمنت أن يعود إليها.. ستتخلى عن رومانسيتها التى سببت مشاكل كثيرة بينهما لواقع الحياة .. ستخبره بما حدث لها من فعل الزمان .. وكم مضت الأيام بها وهى تحلم بعودته لإشتياقها إليه .. وكم تعلمت من تجربتها السابقة معه وأيضا بذكائه سيلاحظ تغيير مفاهيمها للحياة .. وسيفهم أيضا أنها تأقلمت مع حياة المدينة مع احتفاظها بمبادئها الريفية الأصيلة التى كانت تعجبه أحيانا ولا تتفق مع فهمه للحياة أحيانا اخرى .
"صفاء " أخبرت والدها أن " أحمد " .. طالب مقابلته .. وعندما سألها والدها لما هذه المقابلة .. تلعثمت ثم قالت .. بابا .. أحمد إنسان عظيم واختارنى لأكون شريكة حياته .. معيد فى الجامعة .. وسيحصل على الدكتوراه .. مستقبله يبشر بالخير .. من أسرة ميسورة .. وظلت تمدح فيه .. وفهم والدها بأنه سيأتى لخطوبة " صفاء " .. وبارك لها .. معلنا فرحته بخطوبتها متمنيا لها الخير والسعادة مع خطيبها التى قبلته ..
حدد لها ميعاد مقابلته فى نهاية الأسبوع يوم الجمعة فى تمام الساعة الخامسة مساء بمنزلهم العامر .. وفرحت " صفاء " وسريعا ما أخبرت أحمد بميعاد اللقاء .
قامت " علا " بتجهيز العصائر والجاتوهات .. كرم والدها الريفى وسخائه الذى اشتهر به فرض عليها القيام بعمل وليمة للعريس وأسرته .. ولم تألوا جهدا فى القيام بواجباتها تجاه أسرة عريس أختها الصغيرة التى قامت على تربيتها بعد وفاة والدتها .. وها أصبحت عروس تبارك الله .. لابد أن تكون وليمة تشرف والدها المتقاعد على المعاش .. لكى تكبر " صفاء " فى نظر عريسها ..
طرق باب المنزل فى تمام الساعة الخامسة بالتمام .. العريس ووالده ووالدته حضروا.. قابلهم والد " علا " ورحب بهم .. حافلا باستقبالهم .. حتى حضرت العروس إليهم جمـالها لا يضارعه جمال .. وبسمات رقيقة على شفتيها وفرحة خفية تغطى وجهها البشوش .. وتعرفت على أسرة العريس .. الذين باركوا الخطوبة لها متأملين جمالها الصارخ الذى أوجمهم وكأنها نجم كبير تتدلى فى سقف حجرة الجلوس التى يجلسون فيها ..
بعد قليل دخلت " علا " فى كامل زينتها ولم يبدو عليها كبر سنها وكأنها تتبارى مع أختها " صفاء " فى الجمال والأناقة حاملة صينية عليها العصائر .. وفجأة تسمرت فى مكانها عن الحركة .. أنها مفاجئة حقيقية إذ أنها تشبه عليه .. والد العريس .. اكيد هو عصام الذى يجلس بجوار العريس .. تصوب نظرها جهته لتزيد فى تأكيدها .. أكيد ولده " أحمد " العريس المتقدم لأختها صفاء .. هو عصام .. زوجها السابق التى أشتاقت لرؤيته .. !!
ظنت أن " أحمد " شقيقه الأصغر .. لأن " عصام " أيضا كما هو دون تغيير فى ملامحه سوى عدد من شعيرات المشيب فوق أذنيه .. ووقف الجميع يتساءلون عن سر تسمر " علا " فى مكانها .. أخبرت والدها بأن " عصام " زوجها السابق هنا .. مع أخيه العريس .. لحقها أحمد قائلا لها .. ليس لى أخوات .. إنما من تشيرى إليه هو والدى وهذه والدتى مشيراً إليها بأصابعه .. قالت فى نفسها ليته ما جاء .. وتسائلت لماذا والدها لم يتعرف عليه .. لقد نسيه .. كبر السن عبر فى الحياة .. وهل " عصام " عندما خطى المنزل لم يدرك إنه دخله من قبل .. أو تناسى .. وهل سيوافق على زواج أبنه من " صفاء " .. أو يعتقد أنها مثلى .. فيرجع مع أبنه من حيث أتى .
" عصام " عندما تبين له الأمر وأنها نفس الأسرة التى سبق أن ناسبها ولم يفلح فى زواجه .. لقد مرت سنوات طوال فاقت العشرين عام .. تناسى الوجوه ولم يذكر شئ عن ماضيه مع علا .. لم يصدق نفسه .. قال فى نفسه " أن الدنيا صحيح ضيقة " .. أنها " علا " زوجتى السابقة .. مازالت محتفظة بجمالها والزمن لم يغير من شكلها كأنها عروس فى ليلة عرسها .. بينما ظهر على وجهه قسمات الكبر وتغير بعض ملامحه وبعض شعيرات المشيب الأبيض .. استأذن بأدب جم متحرجا من هذه الصدفة الغريبة .. وأنصرف مع زوجتـه وأبنه " أحمد " .. دون رجعة .. وأحتفظ بالسر .. قائلا فى نفسه أيضا لقد فات الأوان يا "علا".
تمت بحمد الله ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق