اختبارات .. مزعجة .. غير قانونية ...!!
تاليف / محمد بدر الدين بسيونى
أُجهدت "سهير" من المذاكرة.. داخل غرفتها المخصصة لها .. بعيدا عن الضجيج والضوضاء .. لمراجعة مادة القانون الجنائى التى ستختبر فيها صباح اليوم التالى ومن شدة التعب مالت برأسها على مكتبها الصغير سابحة فى نوم عميق.. دخلت عليها والدتها العجوز التى شارفت على الستين من عمرها .. ووجدتها مستغرقة فى نوم عميق حاضنة كتابها .. حاولت ان توقظها .. لترتاح فى سريرها .. أشارت إليها بأنها ستفعل .. ولكن ما أن خرجت والدتها .. وإذ بجرس الهاتف يرن .. أمسكت بسماعة الهاتف لتجد زميلتــها " شيماء " تخبرها بإن صديقتها وزميلتها " سماح " الجميلة والتى يحسدها الجميع على جمالها .. أصيبت بارتجاج فى المخ وتشوه بالوجه نتيجة إصابتها فى حادث سيارة .. ونقلت على أثرها إلى المستشفى .. اندفعت " سهير " مسرعة إلى المستشفى لتطمئن على " سماح " .. أخبرها الأطباء بأن حالتها سيئة للغاية بالإضافة إلى كسر بالساق اليمنى .. سماح مقيمة فى المدينة الجامعية .. وأهلها مقيمون فى مدينة المنصورة .. " سهير " لم تعرف الطريق للوصول إليهم وإبلاغهم بما حدث ل"سماح" .. انتظرت حتى تفيق من الصدمة .. لعلها تعرف هاتف أسرتها فتخاطبهم .. ولكن دون جدوى.. فتوجهت صباح اليوم التالى لأداء اختبارها .. ثم توجهت إلى المنصورة بالقطار .. وخلال الطريق أخذت تفكر فى وسيلة سهلة لتخفف عن أسرة " سماح " الخبر .. حتى توصلت إلى فكرة جديرة بالاحترام والاقتناع .
وصلت "سهير" المنصورة وأخذت تسأل عن عائلة سماح .. أسماء العائلات معروفة .. والمنصورة .. مدينة كبيرة .. معظم المقيمين فيها من ضواحيها .. وظهر لها شـاب وسـيم بشوش الوجه ، حسن المظهر .. اعتقدت " سهير " أنه شخصية ذات احترام ومن المؤكد أن يساعدها .. هذه عادات أهل الريف .. مشهور عنهم الطيبة والشهامة والكرم .. وأشارت له وقالت :
- من فضلك .. ممكن أن تدلنى على عائلة النويرى .. فقال لها :
- أنا لست من المنصورة .. ولا أعرف العائلات .. ولكن بإمكانى مساعدتك .. وأصطحبها إلى أحد أصدقائه من أهل المنصورة .. الذى رحب بهما وعلى الفور عرف عائلة سماح .. ولكن الوقت قد تأخر .. وبدأ الليل يسدل ستائره .. ولضعف بصره ، فإنه لن يستطيع الذهاب معهما.. وقال سالم :
- ما العمل الآن .. يا آنسة " سهير " .. يمكنك الذهاب والعودة صباحاً عند الأخ أبو العنين .. ليدلك على عنوان عائلة صديقتك سماح .. قالت له ..
- وأين أنت ذاهب .. رد عليها قائلا :
- لقد انتهت مهمتى بالمنصورة .. ولابد من العودة إلى أهلى حيث أننا مقيمين فى مدينة " شربين".. وأيضا لدى هناك أعمال كثيرة لابد القيام بهـا فى الصباح الباكر .. نسيت تأخذ عنوان سالم .. غير مهم .. والمهم أنها حرصت على أخذ عنوان أبو العنين لتأتى إليه مباشرة فى الصباح ..
بانصراف كل منهما فى طريقه .. سالم .. أصر على توصيلها للمحطة ليطمئن عليها .. وتوجهت " سهير " إلى محطة أتوبيسات السوبر جيت المتوجهة للقاهرة مباشرة .. خوفا أن تتأخر .. لأن ميعاد القطار فات والقطار الذى يليه سيتأخر كثيرا ، وميعاد الأتوبيس قريب .. لقد تبادلا أطراف الحديث أثناء الطريق ووضح الانسجام بينهما .. وتمنت أن تراه مرة أخرى .. ليس مهم أين ومتى .. المهم تراه ثانيا ..
وصلت منزلها مرهقة .. وتعللت لوالدتها بأنها ظلت طوال الوقت مع صديقتها " سماح" فى المستشفى وتعاطفت والدتها مع سماح .. وقالت لها :
- لابد أن تقفى مع زميلتك فى محنتها .. وظروفها الصعبة .. حتى تشفى تماماً ..
أخذت " سهير" من كلام والدتها تصريح .. حجة للبحث عن أسرة " سماح " .. ونامت حالمة ليلتها هذه .. وكل ما شـغلها فى رحلتها هذه " سالم " .. وكم كان لطيف معها .. ودود فى كلامه .. ولم يستغل غربتها .. لجأت إليه .. أنه أصيل وأبن ناس طيبين وأكيد من عائلة ريفية عريقة .. الأصيل لا يهين من يلجأ إليه ..
" سالم " والده تاجر حبوب وغلال فى مدينة " شربين " ويتسوق بضائعه من المنصورة .. ووكل أبنه " سالم " للقيام بهذه المهمة .. لأنه جامعى " ويستطيع والده الاعتماد عليه فى المهام التى تحتاج سن الشباب .. و" سالم " أهل لهذه الثقة .. ولم يشغل باله بالجنس الآخر فى هذا الوقت لأنه لديه طموحات يريد تحقيقها قبل الارتباط **وجة وأولاد .. معتقدا أن الزواج .. ممكن فى أى وقت .. لكنه متعقل .. وفاهم أنه فى انشغاله بالزواج ستضيع عليه فرصة تحقيق حلمه الذى يسعى إليه من اجل تحقيق شخصيته ويصبح رجل أعمال له قدر فى السوق مثل أبيه .. وذلك يتطلب منه مجهود ضخم فى بداية حياته العملية .. كما أنه صغير على الزواج ويسـتطيع أن ينتظر .. ولماذا الاستعجال .. رغم رغبة أسرته أن يجد فتاة أحلامه والتى تسعده ..
فى اليوم التالى .. واصلت سهير طريقها إلى المنصورة .. متجهة صوب أبو العنين .. الذى أخذها مباشرة إلى الطريق الزراعى بضواحى المدينة .. المؤدى إلى .. قرية النويرى .. وأخذ يسأل المزارعين وأولاد القرية حتى وصلا إلى أسرة " سماح " وقد رحبوا بهما .. ترحيب كبير عندما علموا أنهما من طرف أبنتهم " سماح " .. خافت سهير أن تخبر والدتها .. فتثير ضجة .. حيث أن تبليغ الخبر بالحادث محتاج لشخص قوى يتحمل الصدمة ، ويستطيع أن يحسن التصرف ويستعمل حكمته فى تصريف الأمور الشديدة .. وطلبت أن تتكلم مع "سعيد" شقيق " سماح" على إنفراد لأمر هام لما يبدو فى مظهره .. وكلامه أنه متعلم وفى نفس الوقت مسئول عن أسرته .. فقالت والدة " سماح " اللهم جعله خير .. وتفهم سعيد الأمر وطلب من سهير أن تتصرف بطبيعتها حتى لا تشعر والدته بأى شئ وأنه سيتدبر الأمر بنفسه بعد ذهابهما ..
وصل "سعيد" إلى المستشفى وسأل الأطباء عن حالتها .. أوضحوا له الأمر ، وأنه لابد من إحضار أحد لمرافقة " سماح " لحاجتها لذلك .. وخاصة وجود والدتها بجوارها سيشعرها بطمأنينة أكثر .. حتى تستجيب للعلاج بسرعة والذى ستطول مدته ..
أعلنت حالة الطوارئ فى الجيش .. قامت الحرب ضد إسرائيل .. أصيب " نبيل " خطيب " سماح " إصابات بالغة وأسر .. وتم إعادته مع تبادل الأسرى الجرحى .. ازدادت نفسيته سوءا حيث أجرى له عمليه فى أحد مستشفيات إسرائيل .. أصبح بعدها غير كامل الرجولة .. ولا يصلح للزواج .. ولكنه مؤمن .. حافظ قرآن ربه منذ صغره فى القرية وواصل تعليمه حتى حصل على شهادة الدكتوراه فى الشريعة الإسلامية قبل قيام الحرب بأسبوع فقط .. وبهذه الفرحة أصر أهل " سماح " على عقد قرانه على " سماح " لكى تصبح الفرحة فرحتين .. وفى نفس الوقت " سماح " فَرِحة لـ" نبيل " فارس أحلامها .. لأنه سيصبح أستاذ بكلية الشريعة بجامعة الأزهر .. واتفق أهل العروسين أن يتم الزواج فور انتهاء "سماح"من دراستها الجامعية .. مصر انتصرت على إسرائيل .. لكن " نبيل " انهزم أمام ضياع رجولته .. رغم أنفه .. مدافع الدبابات والفيقرز لم ترحمه .. رضى بقضاء الله وقدره .. لكنه فكر بينه وبين نفسه أن يطلق " سماح" وأسر سره فى نفسه .. لا أحد يعلمه غير الله .
قابل " سعيد " أخته " سماح " وهدأ من روعها عندما رأته وخفف عنها آلامها ولكنها لا تستطيع الحركة .. وعندما بدأت تتحرك ونظرت فى المرآة لتجد وجهها مربط بالشاش لا يظهر منه غير عينيها وفتحة للأنف للتنفس .. وفتحة لفمها ..
قام " سعيد " بنقل شقيقته إلى مستشفى المنصورة العام .. لتكون بالقرب من والدتها وتستكمل العلاج هناك .. وقدم لهها اعتذار بالجامعة لعدم تمكنها من استكمال الاختبارات .. لظروف الحادث الذى تعرضت له ..
" سهير " أنهت اختباراتها وبدأت تتردد على زيارة صديقتها " سماح " بالمنصورة لعلها تصادف " سالم " .. وتحملق فى الوجوه لعل وعسى يكون فى مهمة كالمرة الأولى .. أنها أحبته من أول لقاء .. لإعجـابها بشخصيته .. وطموحاته .. وأماله التى حكى لها عنها .. فقلما قابلنا إنسان نميل إليه بكل جوارحنا ويخطف بريقه أبصارنا .. ولكن رؤيتها غير صادقة .. وحكم مشوب بأحلام زائفة ..
فـ"سالم" طموحاته أعمته عن الحلال والحرام ولعب برأسه بعض التجار .. الذين يتاجرون فى المخدرات تحت ستار التجارة فى الغلال .. وبرغبته دخل اللعبة الكبيرة التى لا نهاية لها سوى المصير المحتوم وهو السجن المؤبد .. ولكن السكين سرقه للأغراء المادى وهو اسرع الطرق لتحقيق طموحاته وذلك دون علم والده ..
أحيانا كثيرة مظاهر خداعة تجذب الإنسان إليها .. كالضوء الذى يبهر النحل فيلتف حوله .. فيتساقط دون سبب يعلمه .. و" سهير" واحدة منهن التى خدعها مظهر " سالم " وكلامه الجميل .. وباتت تحلم بلقاء بعد شوق لرؤيته .. وتمر الأيام .. دون جدوى .. وبدأت "سماح" تشفى وتفك الأربطة .. وعندما نظرت فى المرآة لم تصدق أنها هى التى تنظر فى المرآة .. إنها واحدة أخرى لم تعرفها .. وصرخت .. صرخة مدوية .. حضرت الممرضة على أثر صراخها لتجد " سماح" فى حالة انهيار ويدها تنزف دما .. فقد ضربت المرآة بكفها .. واستدعت الطبيب الذى عمل اللازم لها وأمر بإعطائها حقنة مسكنة .. ونامت ..
استيقظت فى صباح اليوم التالى وكل ما يشغلها وجهها .. وتحاول عبثا أن تبحث عن مرآة بغرفتها .. الطبيب أمر بخلع المرايا من غرفتها .. فاستدعت الممرضة وسألتها ..
- ماذا حدث لى .. وهل أصابتى كانت شديدة لهذه الدرجة .. أجابتها الممرضة :
- نعم والحمد لله .. أنت أحسن الآن من قبل .. وعلى فكرة الدكتور " رامى " سيعرضك على طبيب تجميل ليعيد وجهك كما كان .. ولابد من الصبر وكل شئ سيكون جميل بأذن الله ..
" سماح " لم تصدق ما حدث .. وما سيحدث .. وهل التجميل سيعيد وجهها إلى ما كان عليه ..
يأست " سهير " من انتظار لقاء " سالم " ذهبت إلى أبو العنين لتسأله عنه .. ولكنه زاد همها ويأسها .
عندما عاد "نبيل" من الحرب فى إجازة قصيرة لبلدته .. وقد بدا هزيلا غائر العينين صامتاً طوال الوقت وتعجبت والدته لذلك قائلة له :
ألن تسأل عن خطيبتك " سماح " وما حدث لها .. ألم تبدو عليك اللهفة للذهاب إليها بعد ورؤيتها طوال غيابك .
لم تتفاعل حواسـه كما كان فى السابق قبل إصابته .. وحنينه لرؤيتها أصبح فاتر .. حتى لا يريد أن يعرف أخبارها .. قائلا لها ..
- فيما بعد يا حاجة ..
سكتت والدته برهة .. ثم واصلت حديثها .. كنتم عايشين إزاى فى الحرب .. لم يقص عليها ما حدث وما تعرض له .. كتم سره فى نفسه .. وطلق سماح .. غيابيا .. دون ان يستشير أحد من أسرته .. رافضا الإفصاح عن أسباب الطلاق ..
وصلت ورقة الطلاق إلى أسرة " سماح " .. وكانوا فى حالة اندهاش من أمره .. وقابله سعيد .. رجاه أن يعلل له .. رفض .. فوصفه سعيد بالنذالة وقلة الأصل لعدم وقوفه بجوارها فى محنتها .. وعذره انه لم يعرف من والدته ولم يعطها فرصة تشرح حالتها له .. علم " نبيل" بما حدث لـ" سماح " .. لكن سبق السيف العزل .. ولا يمكن التراجع فيما فعله .. لأنه شئ لابد منه ..
أخفت أسرة " سماح " خبر طلاقها لحين شفائها .. وكلما سألت عن " نبيل " .. يقول لها "سعيد" :
- تعلمين أننا فى وقت الحرب ولم تصلنا أى أخبار عنه حتى الآن .. فتطلب من الله أن يسلمه ويرجعه سالم غانم .. بإذن الله ..
فجأة يقوم " نبيل " **يارة " سماح " .. بالمستشفى .. وقد تأثر تأثراً شديداً لحالتها .. مهما حدث كان يحبها .. وفرحت فرحاً جماً **يارته لها .. وظهرت السعادة فى كلماتها الرقيقة .. زيارته .. أعطتها أمل فى الحياة .. وأطمأنت عليه .. ودخل " سعيد " عليهما .. غير مصدق نفسه .. لما يراه .. " نبيل " هنا عند سماح .. ماذا يفعل .. وأخذه نبيل على جنب وقال له ..
- أرجوك .. أعذرنى .. لا تخبرها بالطلاق .. قبل أن يتم شفائها بإذن الله .. وأنا أيضا لدى ظروف أصعب من أى إنسان .. لقد أصبت إصابة تولد عنها رد الفعل .. وأرجوك أن تكتم هذا الخبر .. أن كنت تبقى للصداقة والعشرة شيئا فى نفسك .. وتأثر " سعيد " جدا بما أحل لصديقه وزوج أخته وأوصله لهذا الحال .. وتفهم الموقف واعتذر له عما بدّر منه .. عندما قابله المرة الأولى فى القرية .. معتقداً أنه طلقها لما حدث لها من تشوه نتيجة الحادث ..
أنصرف " نبيل " متوجها إلى القاهرة لإنهاء أوراق خدمته العسكرية .. ومن ثم سيتوجه إلى جامعة الأزهر لاستلام عمله بكلية الشريعة .. والاستقرار بالقاهرة .. كما وعد " سعيد " بإن هذه الزيارة ستكون آخر زيارة للمنصورة حتى تستقر أمور " سماح " ويبلغوها بطلاقها .. ثم بعد ذلك يقوم **يارة المنصورة دون حرج .. ووعده "سعيد" بذلك .
" سالم " تعرف من خلال تعامله مع تجار المخدرات على المعلمة " جليلة " شابة فى مثل عمره .. تزوجت من تاجر مخدرات قبض عليه ويقضى عقوبة الأشغال الشاقة بالسجن .. وسوف تحصل على الطلاق باسرع ما يمكنها لتتفرغ لحالها .. وتتمتع بجمال هادئ من يراها لا يشك لحظة فيها .. أنها تاجرة مخدرات .. تبدو كبنات الناس الأكابر .. مظهرها أنيق .. ترتدى أحدث صيحات الموضة .. مثقفة .. مؤهلها متوسط لكنها تجيد الإنجليزية .. وكثيراً ما تتفوه ببعض الكلمات الإنجليزية أثناء الحديث .. وذكائها غير عادى ..
أنبهر " سالم " بالمعلمة "جليلة " لمميزاتها عن باقى جنسها .. " جليلة " تعتبره طالع فى المقـدر جديد .. ولا يمكنها التعامل معه إلا إذا عرفت أصله وفصله .. لتطمئن إليه .. قائلة له :
- أنا قلبى غير مرتاح لك .. أشعر أن اللف والدوران لا يؤدوا إلى نتيجة إيجابية .. أدخل فى الموضوع وأنا أفكر ..
بدا الصمت والوجوم على وجه " سالم " لم يعرف يرد عليها .. وفى كل مرة .. يجلس معها ساعات طوال دون نتيجة أو يخرج من عنـدها ما يرضى خاطره ..
"سهير" أخر مرة ذهبت إلى المنصورة لزيارة صديقتها " سماح " والاطمئنان عليها .. أعجب بها "سعيد" لإخلاصها لصديقتها ووقوفها بجانبها أثناء محنتــها .. أكيـد " سهير " من أصل طيب .. وعرض عليها الزواج .. و"سعيد" لا يقل وسامة عن " سالم " كما أنه يدرس دراسات عليا للحصول على درجة الماجستير بالإضافة إلى اتزانه ومسئوليته عن أسرته بعد وفاة والده .. جعلت منه رجل بمعنى الكلمة .. وقالت له ..
- أعطنى فرصة أفكر .. وأرد عليك ..
وقفت " سهير " .. وسط الطريق .. وعقلها مشغول بـ " سالم " .. والعرض الذى قدمه لها "سعيد" .. وفكرت بعقلها .. مستبعدة نبضات قلبها التى تنطق بـ " سالم " لأن البحث عنه أصبح كقشة سقطت فى محيط .. وصعب العثور عليها .. والوصول إليه أصبح شئ مرهق ومتعب للنفس وأرقها .. وخلال الطريق وهى تفكر .. ماذا تقول لوالدتها عن عرض " سعيد " بالزواج منها وهى مازالت فى السنة الثالثة بكلية الحقوق .. لكن ليه لا ؟
" سهير " تحدث نفسها .. لم أكن أقل من " سـماح " معـقـود قرانها على " نبيل " وتدرس وبالقريب ستصبح زوجة ولكنى سأتفوق وأواصل حياتى فى دراسة القانون حتى أحصل على الدكتوراه وأصبح قاضية كبيرة للأحوال الشخصية للولاية على النفس .. أتخصص فى قضايا الطلاق .. وطلبات دخول بيت الطاعة .. المستفزة دائما للمرأة .. المغلوب على أمرها .. كل هذه القضايا النسائية بجميع أنواعها .. يشار عنى بالبنان .. لكى لا تظلم المرأة من القضاة الرجال .. وسـوف أغير وجـه القضاء .. يا ترى هل سأنجح .. وليه لأ ؟ ..
شفيت " سماح " وتم إجراء عملية التجميل التى وعدها بها الدكتـور "رامى" وأعاد وجهها إلى ما كان عليه .. مع ظهور بعض الآثار للجراحة .. تلتئم مع الأيام .. ولكن هناك شئ فى نفسها لم تستطع التعبير عنه أو البوح به لأحد .. لأن بنات الريف متحفظات فى بعض خصوصياتهن .. وعندما فاض بها .. ارتدت ملابسها ووضعت على رأسها إيشارب لتخفى ما بدا من آثار العملية بوجهها .. دقت على باب دار "نبيل" .. لم تجد صدى لدقتها .. الدار مغلق .. والدته أيضا غير موجودة .. لا أحد بالدار .. وتساءلت ماذا هناك .. أين ذهبوا .. عادت خائبة لم تجد من يجيب على تساؤلاتها .. أفصحت لوالدتها عن مكنونها .. والدتها تعلم من أخيها " سعيد " ولكنها تكتم الأمر .. والدة " سماح " صامتة برهة .. تتحدث لتغير الموضـوع .. تكتشـف " سـماح " موقـف والدتهـا وتهربها .. كلما سألتها عن " نبيل " .. ادعت أنها مشغولة بعمل شئ آخر ..
بدأ العام الدراسى .. عادت " سماح " لكليتها .. فى نفس الصف الذى كانت تدرس فيه فى العام الماضى .. بكت حظها .. لم تيأس .. انتفضت " سهير " بكل حواسها لتجد المنبه يدق الساعة السابعة صباحاً ووالدتها توقظها للاستعداد للذهاب لاستكمال اختبارها ..
تمت بحمد الله ..